بيروت: دخل لبنان الثلاثاء مرحلة شغور رئاسي غداة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لعدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة لانتخابه في البرلمان، ما يهدد بتعميق أزمات البلاد الغارقة في انهيار اقتصادي مزمن.

ويأتي الفراغ في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سلطة قادرة على اتخاذ قرارات ضرورية وتنفيذ إصلاحات لضمان الحصول على مساعدات دولية تساعد على إخراجه من دوامة الانهيار الاقتصادي.

ماذا يعني الشغور الرئاسي للبنان؟ ومن سيدير شؤون البلاد؟ هل من حل في الأفق؟

وفي لبنان، عادة ما يؤخر نظام التسويات والمحاصصة القائم بين القوى السياسية والطائفية، القرارات المهمة، فيتأخر تشكيل الحكومة او انتخاب رئيس للبلاد لأشهر عدة.

وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين من فراغ في سدة الرئاسة، انتخب ميشال عون رئيساً بعد 46 جلسة انتخاب في المجلس النيابي إثر تسوية بين الأفرقاء السياسيين.

انتخاب رئيس جديد

وعلى وقع الانقسامات السياسية الحادة، فشل البرلمان منذ نهاية أيلول/سبتمبر أربع مرات في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خصوصاً أنه لا يملك أي فريق في مجلس النواب أكثرية تخوله انتخاب رئيس.

وفي جلسة الانتخاب، يحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً.

وغادر عون القصر الرئاسي الأحد مستبقاً انتهاء ولايته الرئاسية منتصف ليل الإثنين -الثلاثاء، فيما احتشد الآلاف من مناصريه لوداعه.

وبرغم أنّ عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان، إلا أن الفراغ هذه المرة يأتي مع مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، وبعد ثلاث سنوات على احتجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة.

ويشهد لبنان منذ ثلاث سنوات انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، بات معه أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر.

يتعين وفق الدستور انتقال صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء، لكن الخلافات السياسية حالت منذ الانتخابات النيابية في أيار/مايو دون تشكيل حكومة جديدة، بينما تواصل حكومة تصريف الأعمال ممارسة مهماتها.

واستبق عون انتهاء ولايته بتوقيعه الأحد مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة هدفها منع حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من استلام صلاحيات الرئيس.

حكومة مستقيلة

وتعد حكومة ميقاتي عملياً مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو.

وأدخلت خطوة عون البلاد في جدل دستوري حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، إلا أن خبراء يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار الصراع على النفوذ.

ومنذ أسابيع، يتبادل عون وميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.

ورداً على عون، اعتبر ميقاتي أن "الدستور واضح بأن الحكومة تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية"، وأبلغ رئيس البرلمان نبيه بري "بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة".

وأكد ميقاتي أنه لن يدعو إلى اجتماعات لمجلس الوزراء "إلا في حال الضرورة القصوى".

ويوضح مصدر حكومي لفرانس برس أن "ميقاتي سيتابع إدارته للبلاد كما هو الحال منذ أن أصبحت حكومته حكومة تصريف أعمال" بعد الانتخابات البرلمانية.

ويشير المصدر إلى أن "ذلك يؤثر بشكل كبير على عمل الحكومة من ناحية عدم قدرتها على إصدار مراسيم أو حتى اتخاذ أي قرارات تتطلب موافقتها مجتمعة"، وبينها قرارات متعلقة ببدء التحضير للتنقيب واستخراج الغاز من المياه الإقليمية إثر التوقيع الأسبوع الماضي إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

لا حلول قريبة

لا تلوح في الأفق حلول قريبة لأزمة الفراغ الرئاسي.

ويقول نائب في البرلمان عن كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن الأخير يبحث في الدعوة إلى حوار تتيح "التوافق" بين الكتل النيابية على اسم مرشح يحظى بغالبية أصوات النواب.

ويضيف "ليس هناك فريق قادر على الإتيان بمرشح، لذلك لا حل سوى التوافق وإلا سندخل في شغور رئاسي طويل".

ويرى محللون ومعارضون إنّ شغور الرئاسة مرتبط بشكل رئيسي بسعي حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأقوى، وحلفائه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون، حليف حزب الله المسيحي الأبرز.

مرشحون محتملون

ويُنظر على نطاق واسع الى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة لحزب الله، وإن كان لم يعلن دعمه علنا له. لكن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، صهر عون والطامح بدوره للرئاسة والمتحالف مع حزب الله، أعلن أنه لا يدعم فرنجية.

ويحظى النائب ميشال معوّض بتأييد كل من كتلة القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. لكن حظوظه تبقى ضئيلة، ويصفه حزب الله بأنه "مرشح التحدي".

كما تتداول الدوائر السياسية اسم قائد الجيش جوزف عون، الذي لا يتيح له منصبه الإدلاء بمواقف سياسية، عدا عن أن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً.