أظهر مقتل جندي إيرلندي من جنود حفظ السلام مؤخراً ومن جديد أن هذه البعثة الدولية هي تجربة فاشلة ومكلفة، وأنه ينبغي تخفيض عدد قواتها بشكلٍ جذري عندما يحين وقت تجديد ولايتها هذا الصيف.

إيلاف من بيروت: في أواخر ديسمبر، قُتل جندي إيرلندي من جنود حفظ السلام في لبنان، وكان يخدم في "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("يونيفيل")، وتم اتهام سبعة مشتبه بهم في جريمة القتل. إلا أن "حزب الله" لم يسلّم سوى واحداً منهم إلى "الجيش اللبناني".

يقول ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن، ومدير "برنامج السياسة العربية" التابع للمعهد، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى: "إذا استندنا إلى التجارب الماضية، يمكن الجزم أنه لن يتم إجراء أي تحقيقٍ موثوقٍ به، ناهيك عن مساءلة في مقتل جندي حفظ السلام، والسبب بسيط: حزب الله يسيطر على لبنان، الذي يُعتبر بالأساس دولةٌ فاشلة، وما يسمّى بـ "مؤسساته"، لا سيما الأجهزة الأمنية. ولا شك في أن حزب الله كان مسؤولاً عن مقتل جندي حفظ السلام. فلا تسيطر هذه الميليشيا بإحكامٍ على المنطقة التي وقعت فيها عملية القتل فحسب، بل في رصيدها أيضاً تاريخٌ من التحريض ضد قوات اليونيفيل ومهاجمتها، والتي تتمثل جزء من مهمتها في مساعدة الجيش اللبناني على ضمان خلو جنوب لبنان من أي أفراد مسلحين أو عناصر مسلحة أو أسلحة غير تلك التابعة للجيش اللبناني واليونيفيل".

تعترف اليونيفيل علناً في تقاريرها نصف السنوية إلى مجلس الأمن بفشلها في حظر الأسلحة المخصصة لحزب الله. وبينما تقرّ القوة بالمزاعم المتعلقة بـعمليات نقل الأسلحة إلى جهاتٍ من غير الدول في لبنان، أي حزب الله، تقول اليونيفيل إنها "ليست في وضعٍ يسمح لها بإثبات هذه المزاعم". ونظراً إلى انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في معقل حزب الله، يشكّل هذا الفشل الدائم في رصد عملية تسليم أسلحة واحدة على الأقل، ناهيك عن نسبها للتنظيم، مقياساً جيداً للفشل الذريع لمهمة اليونيفيل. وعلى الرغم من ذلك، تواصل واشنطن ضخ مئات الملايين من الدولارات في هذا المشروع الفاشل وشريكها المحلي، الجيش اللبناني، وفقًا لما كتب شينكر، مضيفًا أنه منذ عام 2006، تم استهداف دوريات اليونيفيل بشكلٍ متكرر بقنابل حزب الله المزروعة على جوانب الطرق، "في جهدٍ سرعان ما تبيّن أنه نجح في ثني البعثة بشكلٍ استباقي عن تنفيذ مهمّتها. لكن في السنوات الأخيرة، تم استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بشكلٍ متزايد من قبل التنظيم الإرهابي الذي يحكم لبنان ويحكم سيطرته على المنطقة التي أُنشئت اليونيفيل لحمايتها".

تنفي.. ولكن!

تنفي الميليشيا مسؤوليتها عن مقتل جندي حفظ السلام. فقد وصف مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا الحادث بأنه غير متعمّد، "إلا أن صور المركبة التي مزقها وابلٌ من الرصاص والمحاولة الواضحة لفتح أبواب السيارة بالقوة تشير إلى اغتيال الجندي في رسالةٍ واضحة تكشف عداء حزب الله المتزايد تجاه اليونيفيل، وفقُا لشينكر، واضاف:"تجدر الإشارة إلى أنه قبل أربعة أشهر فقط من هذا الهجوم، انتقد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله علناً تعديلاً في آخر تمديدٍ لولاية اليونيفيل. سمحت اللغة التي اعتمدها مجلس الأمن في أغسطس 2022 للمهمة بتنفيذ عملياتها بشكلٍ مستقل، وهو تعديلٌ وصفه نصر الله بأنه فخ إسرائيلي وانتهاك للسيادة اللبنانية. فبالنسبة لحزب الله وأنصاره، كانت هذه الرسالة من أوضح ما يكون".

تابع شينكر: "كانت اللغة الجديدة التي تجيز عمليات اليونيفيل المستقلة ضروريةً ليس بسبب حزب الله، ولكن بسبب الديناميكية المختلة بين اليونيفيل والجيش اللبناني. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منع الجيش اللبناني اليونيفيل من "توسيع رقعة وجودها خارج الطرق الرئيسية والمراكز البلدية، مدّعياً أن طرق الدوريات المقترحة هي "أملاك خاصة أو ذات أهمية استراتيجية للجيش. ومن بين هذه المواقع المحظورة مواقع المنظمة غير الحكومية البيئية المزعومة التابعة لحزب الله المعروفة بـ ’أخضر بلا حدود‘".

كتب شينكر: "بعد مرور أربعة عقود، واضح أن وضع مهمة اليونيفيل أصبح غير مقبول. فالمهمة ليست غير فعّالة فحسب، بل أن نشرها يشكل محركاً رئيسياً للاقتصاد في جنوب لبنان، بحيث تعمل على توظيف مؤيدي حزب الله وناخبيه وإعالتهم. كما أن الكلفة المترتبة عن المهمة كبيرة، بحيث تبلغ 500 مليون دولار في السنة، بما فيها مبلغ 125 مليون دولار تدفعه واشنطن. هذا والمهمة معرّضة أساساً للمخاطر. وخلال الحرب القادمة المحتمة بين إسرائيل وحزب الله، ستعمل هذه الوحدة المؤلفة من 10 آلاف جندي على تزويد الميليشيا بدرعٍ بشري رائع. وإدراكاً لهذه النواقص، هدد وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو في عام 2020 باستخدام حق الفيتو ضد تجديد ولاية اليونيفيل في مجلس الأمن إذا لم يتم إجراء تغييرات في ولايتها لتحسين الوضع الأمني على طول الحدود. واستناداً إلى رد حزب الله العدواني حتى على أدنى تعديلٍ للغة التفويض، يمكن الاعتبار أن هذه التغييرات لم تكن على الأرجح لتحسّن أداء اليونيفيل".

ضغط أميركي

ضغطت إدارة ترامب لتقليص حجم القوة ليتماشى مع مهمّتها المحدودة. لكن المعارضة الشديدة في مجلس الأمن، وخصوصاً من فرنسا، حالت دون إجراء هذا التغيير المقترَح في التفويض. وبعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، توقفت الإدارة الأميركية عن الضغط. وبينما توفر اليونيفيل منتدىً مفيداً للمحادثات بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني وتضطلع فرقة عملياتها البحرية بدورٍ مفيد، "إلّا أن قوات حفظ السلام لن تؤدي قط دوراً في تقييد حزب الله أو حماية الحدود. وما زاد الطين بلّةً هو أن الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لن يفيا بالتزامهما في الأمم المتحدة بدعم المهمة وحمايتها. فعلى الرغم من المبالغ الهائلة المقدمة للجيش اللبناني بتمويلٍ أميركي منذ عام 2006، لا يزال الجيش اللبناني رهينةً لـحزب الله وسيبقى كذلك. وليس لدى رعاة حزب الله في طهران أي مصلحةٍ في حماية الحدود اللبنانية-الإسرائيلية"، وفقًا لشينكر.

وختم شينكر: "بإمكان تقديم حجةً مقنعةً لإلغاء اليونيفيل بالكامل نظراً للشوائب التي تعتريها. ويمكن لواشنطن أن تفعل ذلك ببساطة عبر استخدام حق الفيتو ضد تجديد ولاية اليونيفيل هذا الصيف كما أوشكت أن تفعل وزارة الخارجية الأميركية في عهد بومبيو. لكن على الرغم من شوائبها، تواصل إسرائيل دعم بقاء قوة اليونيفيل باعتبار أن ما يسمّى بالآلية الثلاثية وفرقة العمليات البحرية والوجود المستمر لبعض قوات حفظ السلام على طول الحدود قد يكون مفيداً في تهدئة التوترات".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "معهد واشنطن"