سونغول يوسيسوي تغسل الأطباق في الخارج، في ظل منزلها المدمر
BBC
دمر منزل سونغول يوسيسوي عندما ضرب زلزال بقوة 6.4 درجة قبل شهر

تغسل سونغول يوسيسوي أطباقها بالصابون بعناية قبل شطف الفقاعات عنها وتتركها حتى تجف. يكاد يكون ذلك مشهداً عادياً، لولا أنها في الهواء الطلق، جالسة في ظل منزلها المدمر.

يميل المنزل بزاوية تنذر بالخطر. إطارات النوافذ أصبحت معلقة في الهواء وانهار جزء كبير من السقف الحديدي الصدئ واستقر في الحديقة.

لقد مر شهر على الزلازل المدمرة في تركيا وسوريا، حيث قدر المسؤولون عدد القتلى في تركيا وحدها بـ 45 ألف و968 شخصاً. أما في سوريا، فمن المعروف أن أكثر من 6 آلاففقدوا حياتهم. في حين أن أولئك الذين نجوا يواجهون مستقبلاً غير مؤكد.

واحدة من أخطر مشاكلهم هي العثور على مكان آمن للعيش فيه.

أصبح ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص بلا مأوى، ومن غير الواضح كم من الوقت سيمر قبل العثور لهم على مأوى مناسب.

في غضون ذلك، تقول هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، إن ما يقرب من مليوني شخص قد غادروا منطقة الزلزال الآن.

ويعيش بعض المتضررين مع الأصدقاء أو الأحباء في أماكن أخرى من البلاد. والرحلات الجوية والقطارات التي تنقل الناس خارج المنطقة مجانية لأولئك الذين يرغبون بالمغادرة.

لكن في بلدة سامانداغ، بالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط​​، فمن الواضح أن سونغول وعائلتها لن يذهبوا إلى أي مكان: "هذا مهم جداً بالنسبة لنا. مهما حدث بعد ذلك - حتى لو سقط المنزل - سنبقى هنا. هذا منزلنا، وكرنا. كل ما لدينا هو هنا. لن نغادر".

الأضرار التي لحقت بممتلكات في بلدة سامانداغ التركية بسبب الزلزال
BBC
دمر الزلزال المميت ممتلكات في المنطقة وشرد آلاف العائلات

سحبت قطع الأثاث الثمينة من المنزل بعناية ليعاد تركيبها في الخارج. وعلى طاولة خشبية جانبية صورة تذكارية من عطلة صيفية، وهي صورة مصنوعة من أصداف من منتجع كوساداسي التركي.

هناك أيضاً وعاء مليء بالفاكهة، فيه برتقالة كبيرة يزحف منها عفن أبيض. الأشياء التي تبدو طبيعية داخل المنزل، تبدو غريبة في الشارع.

في الوقت الحالي، تعيش الأسرة بأكملها في ثلاث خيام على بعد خطوات قليلة من منزلهم المدمر.

ينامون ويأكلون ويتشاركون الطعام المطبوخ على موقد التخييم الصغير. لا يوجد مرحاض مناسب، على الرغم من أنهم استعادوا واحداً من حمام منزلهم ويحاولون وضعه في سقيفة خشبية مؤقتة.

لقد أنشأوا منطقة استحمام صغيرة حتى. لكنها بدائية للغاية ونقص المساحة والخصوصية فيها واضح. هذه الخيام ضيقة ومكتظة.

لقد كان شهراً مؤلماً لسونغول. وقتل 17 من أقارب عائلتها في الزلزال. أختها تولاي مفقودة رسمياً. قالت لي: "لا نعرف ما إذا كانت لا تزال تحت الأنقاض. لا نعرف ما إذا كان جسدها قد نُقل أم لا. نحن ننتظر. لا يمكننا أن نبدأ في الحداد. لا يمكننا حتى العثور على مفقودتنا".

فتاة صغيرة تستلقي على متن قطار
BBC
الناس ينامون على مقاعد في عربات القطار في مدينة الإسكندرونة الساحلية

وتوفي صهر سونغول حسام الدين وابن أخيه لوزان البالغ من العمر 11 عاماً عندما انهار مبنى شقتهما في الإسكندرون أثناء نومهما.

زرنا ما تبقى من منزلهما، وكان كومة من الحطام المتشابك. أخبرنا الجيران أن ثلاث بنايات من الشقق قد سقطت.

وتقول سونغول بهدوء: "أحضرنا جثة لوزان إلى هنا. أخذناه من المشرحة ودفنناه بالقرب منا في سامانداغ. فيما تم دفن حسام الدين في مقبرة المجهولين. وجدنا اسمه هناك".

في صفحة تولاي التي لا تزال نشطة على فيسبوك، صورة للعائلة وأفرادها يبتسمون وأذرعهم ملتفة حول بعضهم البعض ووجوههم قريبة من بعضها ويحمل لوزان بالوناً أحمر.

أزمة التشرد التي أحدثها الزلزال حادة للغاية بسبب النقص الحقيقي في المساحات الآمنة التي لم يطلها الدمار.

وانهار أكثر من 160 ألف مبنى أو تضررت بشدة. ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 1.5 مليون شخص على الأقل ما زالوا داخل منطقة الزلزال، لكن ليس لديهم مكان للعيش فيه. من الصعب معرفة الرقم الحقيقي والدقيق وقد يكون أعلى من ذلك بكثير.

الحجرات الخاصة بالدراسة في طريقها إلى المنطقة، ولكنها الأمر يحدث ببطء شديد.

وظهرت الخيام في كل مكان، من المخيمات العامة العشوائية إلى المخيمات الفردية المنتشرة وسط الأنقاض. وعلى الرغم من ذلك، العدد ليس كافياً بعد.

وأدت الأنباء عن قيام الهلال الأحمر التركي ببيع بعض مخزونه من الخيام الممولة من دافعي الضرائب إلى مجموعة خيرية، وإن كان ذلك بسعر التكلفة، إلى الإحباط والغضب.

وفي بعض المدن، لا يزال الناس يعيشون داخل المباني العامة.

في أضنة، التقيت بعائلات تنام على بطانيات وأفرشة منتشرة في ملعب لكرة الطائرة. في مدينة الاسكندورن الساحلية، اتخذ البعض قطارين متوقفين في محطة السكة الحديد منزلاً لهم.

أصبحت المقاعد أسرة ورفوف الأمتعة مليئة بالممتلكات الشخصية ويحاول الموظفون هناك بجد للحفاظ على الأشياء نظيفة ومرتبة. تملأ الدموع عيني فتاة صغيرة وهي تعانق وسادة بدلاً من دمية دب. وهي تشعر أن هذا ليس المنزل.

أطفال سونغول يعانون أيضاً. ألعابهم عالقة داخل منازل حالتها خطرة ولا توجد مدرسة. وتقول: "إنهم يشعرون بالملل وليس هناك ما يجعلهم مشغولين. إنهم يجلسون فقط. يلعبون بهواتفهم، ثم يذهبون إلى الفراش مبكراً بمجرد نفاد شحنهم".

عندما يحل الليل، تكون الأمور أكثر صعوبة. لا توجد كهرباء في سامانداغ الآن. وضعت سونغول مصابيح شمسية ملونة على خيمتها البيضاء، فوق شعار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الغامق. مشردون داخل بلدهم، فهم ليسوا لاجئين، لكنهم أيضاً خسروا كل شيء.

سونغول يوسيسوي تبكي
BBC
تقول سونغول إن عائلتها تعيش الآن في خوف، حيث غالباً ما تبقيهم الهزات الارتدادية مستيقظين طوال الليل

وأوضحت سونغول: "أنا أضع المصابيح هنا كي يرونا. نشعر بالخوف عندما يحل الظلام. عدم وجود كهرباء يمثل مشكلة كبيرة. الخوف كبير للغاية ونشعر طوال الليل بالهزات الارتدادية، لذلك يصعب علينا النوم". تبدأ سونغول بالبكاء وتمسح دموعها بيدها.

ويضيف زوجها سافاس: "نحن أناس أحرار، تعودنا على الحرية والاستقلال وكان كل منا يعيش في منزله الخاص. لكننا الآن ثلاث عائلات نأكل في خيمة واحدة ونعيش ونجلس في خيمة واحدة".

ويتابع: "كل هذا جديد بالنسبة لنا، لا نعرف ما يخبئه المستقبل. وهناك دائماً الخوف (مما سيأتي). منازلنا قد انهارت، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا نعرف".