يهدد التطور الكبير في الذكاء الاصطناعي وظائف ظن البشر أن حسهم الإنساني هو ضمانهم للمستقبل. فهل شاهدتم مقدمي الأخبار الافتراضيين الذين يحركهم الذكاء الاطناعي؟

إيلاف من بيروت: إن السرعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والاعتماد المتزايد على التطبيقات اليومية، مسألتان سلطتا الضوء على مشكلات محتملة، في مقدمها التخلي عن فئة من العمال وتعطيل العملية التقليدية التي تحكم أسواق العمل، خصوصًا في الدول المتقدمة تقنياً. هذا ما ورد في دراسة جديدة عنوانها "تأثير الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على القوة العاملة.. الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو"، أعدتها نوف يعقوب السعدي، وهي مساعد باحث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، تناولت الأتمتة والرقمنة وأثرهما في سوق العمل.

لا شك في أن الذكاء الاصطناعي يغير العدسة التي نرى العالم من خلالها، والعمل الإعلامي المرئي لا يمثل استثناءً أبدًا. فهذا الذكاء يُحدث ثورة في صناعة التلفزيون بتمكين المذيعين من إنشاء محتوى أكثر تخصيصًا، وتحسين تجربة المشاهد، وخفض تكاليف الإنتاج، بل يصل إلى حدود تقديم مذيعين افتراضيين يقدمون ما يحدثه الذكاء الاصطناعي نفسه من محتوى متخصص؛ إذ يمكن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المشاهد لتقديم رؤى محددة حول تفضيلاتهم للمشاهدة، وفي الوقت نفسه تأليف محتوى يقوله المقدم الافتراضي يحاكي هذه التفضيلات. لا مفر من الاعتراف بأن هذا "ابتكار" سيفتح آفاقًا لا يحدّها إلا الخيال.

جميل ومقلق

و"ابتكار"، مثلًا لا حصرًا، مذيعة جديدة في قناة الجزيرة الإخبارية. إنها الإعلامية – الروبوت، بحسب كثيرين وقفوا مشدوهين أمام حسن تفاعلها مع محيطها وطلاقتها، وهي عنوان لتطور جميل ومقلق: جميل من منظار التطور الذي بلغته البشرية في تسخير العلم لتكوين ذكاء قادر على الاستجابة لأي سؤال، في الوقت الفعلي، بتقديم إجابات شافية عن مسائل قد ترقى إلى مستوى اللغز لعامة الناس، ولبعض الخاصةوالمثقفين ايضًا.

وهو مقلق فعلًا، إذ تمثل "ابتكار" هذه صورة صريحة لما قد يؤول إليه مصير العاملين في الشأن الإعلامي المرئي، من تلفزيون وما يشبهه من منصات إلكترونية.

حين بدأت الرقمنة، كان الإنسان مطمئنًا إلى أن هذه الآلة العجيبة بين يديه لا تعمل إلا بأمر منه، بكبسة زر من أزرار الحاسوب، أو بلمسة شاشة ما. ومع تطور العناصر الرقمية المستخدمة في صنع المحتوى، زادت المساهمة من خلال محركات بحث متقدمة، تساعد في إنشاء المحتوى من مصادر مختلفة، منها المفتوح ومنها الذي يعمل باشتراك مالي، من أجل إعداد محتوى تلفزيوني يحسّن تجربة المشاهدة.

اليوم، وصل التطور إلى حدود الخشية. فثمة مخاوف كبيرة من تأثير الذكاء الاصطناعي في صناعة التلفزيون، بكل ما يحيط بها من مهن، من التحرير إلى التقديم. يشعر كثيرون بالقلق من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الناس وظائفهم بحلول الأتمتة محل البشر.

المثير للريبة أن "ابتكار" ليست التجربة الوحيدة، إنما واحدةً من تجارب عديدة تثبت موقعها المتقدم في خريطة التطور الإعلامي.

أمثلة قيد التطور

قبل "ابتكار"، أنشأت وكالة أنباء شينخوا الصينية مذيعَين افتراضيين يعملان بالذكاء الاصطناعي، ينقلان الأخبار بالإنكليزية والصينية، كما استخدمت تقنية الذكاء الاصطناعي نفسها كي يتعلما من مذيعي الأخبار البشريين أسس تقديم الأخبار، ثم تطويرهما أسلوبًا فريدًا خاصًا بهما. كما استخدم برنامج "Newsnight" من "بي بي سي" مذيعة افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُدعى "إميلي" لإجراء مقابلة مع ضيف حقيقي. وقد تم تطوير "إميلي" باستخدام تقنية التقاط الحركة لتحريكها اعتكادًا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، فأتت النتيجة مقدمة تلفزيونية غير بشرية قادرة على التعامل مع ضيفها في الوقت الفعلي.

نتذكر أيضًا المقدم الافتراضي "فرانك" الذي استخدمته قناة "فوكس" الرياضية لتقديم تحليل ما قبل مباريات كأس العالم لكرة القدم في عام 2018 والتي جرت في روسيا. "فرانك" هذا صورة حرّكه الذكاء الاصطناعي بتقنية التعرف على وجوه اللاعبين وتحليل تعابيرهم وإيماءاتهم ليتوقع أدائهم خلال المباريات. أما في قناة "إنديا توداي"، فتقدم "سانا"، المذيعة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مواجز إخبارية متعددة يوميًا، وبلغات مختلفة، كما تستضيف أيضًا عرضًا إخباريًا تتفاعل خلاله مع الجمهور.

يمكن الذكاء الاصطناعي تمكين مقدمي العروض الافتراضيين هؤلاء من الوصول إلى بيانات ومعلومات مفصلة بسرعة، ما يساعدهم على توفير تغطية إخبارية أدق وأكثر شمولاً. وهذا ما قد يستغرق وقتًا أطول عند البشر.

تغيير في سوق العمل

هذه الأمثلة تؤكد ما قالته دراسة السعدي. فالذكاء الاصطناعي يعمل على تغيير سوق العمل بأتمتة المهام الروتينية ورقمنتها وزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة، كما يمكن الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أداء مهام كان يقوم بها البشر سابقًا.

وأوضحت السعدي أن هذا الاضطراب المرتقب في أسواق العمل يمكن أن يترك آثارًا واسعة النطاق عبر مستويات التوظيف والأجور وفرص سوق العمل، داعيةً إلى مواكبة هذه التحديات بالاستثمار في التدريب لصقل مهارات العمال استجابةً للمطالب الجديدة لدمج الوظائف الحالية مع الذكاء الاصطناعي، "فمن خلال الاستثمار في برامج التدريب والتعليم لتطوير المهارات اللازمة للأدوار القائمة على الذكاء الاصطناعي، يمكننا الاستفادة من هذه الفرص والتكيف مع سوق العمل المتغير".