خلال الأسبوع الأسود الذي عاشته فرنسا، والذي تخللته أعمال عنف وحرق ونهب، امتنعت ماري لوبان زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف عن اطلاق التصريحات، وحرصت على أن تتصرف وكأن تعليقها على ما يحدث ليس نافعًا ولا مجديًا إذ أنها كانت قد حذّرت من ذلك منذ صعودها إلى المشهد السياسي.

ويرى الملاحظون أن نسبة كبيرة من الفرنسيين أصيحوا يعتقدون أنه بات من الضروري أن يحكم البلاد حزب يميني قوي مثل "حزب التجمع الوطني" بعد أن أثبتت الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية المحافظة عجزها عن معالجة الأزمات التي تتخبط فيها بلادهم راهنًا. وهم يدعمون رأيهم هذا بالقول بأن بلدانا مثل بولونيا والنمسا والسويد واسبانيا والمجر انتقلت إلى اليمين بعد أن حكمتها أحزاب يسارية لفترة طويلة من دون أن يفضي ذلك إلى كوارث.

وسيكون الوضع بالنسبة لهم أفضل لو أن الأحزاب اليمينية تتوحد لصياغة برنامج انقاذ وطني يعزل من الساحة السياسية كل تلك الأحزاب التي تبيع الأوهام والأكاذيب باسم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. كما أن هذه الأحزاب أصابها الضعف والانحلال إلى درجة أنها لم تعد قادرة على التحكم في الشارع.

ويقول الكاتب كزافيير باتيي بإن فرنسا تعيش راهنًا تحولات وتطورات عميقة سوف تكون لها تأثيرات هامة على الدولة وعلى مؤسساتها. لذلك فإن الفرنسيين يسعون بحسب رأيه إلى التشبث بأي قوة سياسية تسمح لبلادهم باستعادة استقرارها وأمنها.

وبسيب الأحداث الأخيرة، والتي سبقتها، أصبح الفرنسيون ينظرون إلى اليسار باحتقار ونفور. كما أنهم لم يعودوا يتحملون ثقافته التي فقدت مصداقيتها في خضم الأزمات المتلاحقة. لذا هم يعتقدون أن حزب ماري لوبان يُمثل قوة قادرة على حماية مؤسسات الجمهورية، وعلى التحكم في الشارع في أوقات العنف والفوضى المدمرة.

ويضيف كزافيي باتيي قائلا:" كل عصر كبير يجد نفسه بين ثقافتين، ثقافة تزول وثقافة تأتي، ثقافة تختفي وثقافة تفرض نفسها. ويمكننا أن نتحاشى الشر، وأن نفلت منه، وأن نحاول ترويضه بشتى الطرق والوسائل، لكننا لسنا قادرين على إيقافه.

وفي وضع مأساوي كهذا الوضع، يبدو أن المربع الأخير للفكر السياسي الديغولي(نسبة إلى الجنرال ديغول) قادر على أن يواسي بلدًا يعيش الحداد شرط أن يكون هذا المربّع قادرًا على أن يتكلم إلى الفرنسيين بلغة القلب، لكن من دون عواطف مفرطة، لكي يصل إلى السلطة".