واشنطن: أعادت صدمة العملية التي شنّتها حركة حماس للولايات المتحدة دورها المألوف باعتبارها الداعم المطلق لإسرائيل، مستخدمة نفوذها لحماية حليفتها بدلًا من التشجيع على الهدوء.
جمعت علاقات متوترة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تقليديًا مع الرؤساء الأميركيين الديموقراطيين مثل جو بايدن على خلفية معارضة الزعيم الإسرائيلي للسيادة الفلسطينية والتعامل مع إيران ومؤخرًا بسبب الإصلاح القضائي الذي بدأته حكومته اليمينية المتشددة.
وكان بايدن قد طوى صفحة مع نتانياهو في سعي للتوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي تاريخي. يُرجّح أن يكون هذا الاحتمال معلّقًا حاليًا، لكن العنف الراهن أدى إلى تأجيل خلافاته مع نتانياهو.
ووعد الرئيس الأميركي بتقديم "دعم كامل" لإسرائيل، وأرسل ذخائر وأمر بإرسال سفن حربية إلى شرق المتوسط، في ما يعدّ تحذيرًا ضمنيًا لإيران الداعمة لحركة حماس.
ودعت الولايات المتحدة الأحد أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين عقدوا جلسة طارئة إلى إدانة "حازمة" للهجوم الذي شنته حماس، بينما سعت موسكو إلى دعم العودة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط.
واعتبر ديفيد ماكوفسكي من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن ردّ الولايات المتحدة على إراقة الدماء لم يكن "بالمصطلحات المعتادة التي تدعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، بل بأنها ستعطي إسرائيل كلّ ما تحتاجه وتقدّم دعمًا واضحًا لا لبس فيه".
وتوقّع أن تركّز السياسة الخارجية الأميركية على حماية إسرائيل بما في ذلك من انتقادات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الإفراج عن الرهائن بدلًا من الضغط على نتانياهو.
وأضاف ماكوفسكي "من الواضح أن ذلك هو ما يعادل هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 (في الولايات المتحدة) بالنسبة لإسرائيل، وأعتقد أن الإدارة الأميركية تشعر بأن دورها هو منح إسرائيل مساحة لالتقاط أنفساها.
وكان سلف بايدن، دونالد ترامب المدعوم من قاعدة مسيحية إنجيلية، قد دفع باتّجاه قائمة أمنيات لإسرائيل تتضمّن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية.
وعاد فريق بايدن إلى الدعوات الأميركية السابقة لإقامة دولة فلسطينية لكنه لم يفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف، دون أن يجد أي فرصة لذلك في ظلّ قيادة نتانياهو.
لكن عنف عملية حماس صدم المسؤولين الأميركيين.
لدى سؤاله عن حماية المدنيين في غزّة بعدما قطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والغذاء عن القطاع، اكتفى المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الاميركي جون كيربي بالقول إن "إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها"، مشيرًا إلى أنها تستخدم "القوة الشديدة" بسبب حجم العنف الذي تمارسه حماس.
وفي وقت سابق، وصفت المبعوثة الأميركية لمكافحة معاداة السامية في العالم ديبورا ليبستات هجمات حماس بأنها "الهجوم الأكثر فتكًا ضدّ اليهود منذ المحرقة"، قائلة "لا يحقّ لأحد أن يقول لإسرائيل كيف تدافع عن نفسها وتمنع الهجمات المستقبلية وتردعها".
من جهته، قال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك إنه حتى لو شجع بايدن نتانياهو على ضبط النفس، "فمن المرجح أن تكون الآذان صمّاء في هذه المرحلة".
لكن التوسّع المحتمل للعملية الإسرائيلية قد يفاقم الوضع في الشرق الأوسط، وهو بالضبط ما سعت إدارة بايدن إلى تجنّبه مع تركيزها على المنافسة العالمية مع الصين وروسيا اللتين تعملان بشكل وثيق مع إيران وحسنتا علاقاتهما مع السعودية.
وقالت المستشارة الكبيرة السابقة للسياسات لفريق التفاوض حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لدى وزارة الخارجية الأميركية لورا بلومنفلد "من وجهة نظر القيم، الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، من وجهة نظر المصلحة، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحد من نفوذ روسيا والصين".
واعتبرت بلومنفلد، التي أصبحت زميلة في كلية الدراسات الدولية المتقدّمة في جامعة جونز هوبكنز، أن السعودية قد تختار جانبًا آخر إذا اعتبرت إسرائيل ضعيفة.
منذ بدء عملية حماس، انتقد حزب الجمهوريين في الولايات المتحدة سياسة بايدن الصامتة حيال إيران، على الرّغم من أن الحزبَين هبا لدعم إسرائيل ودعَوَا إلى مزيد من المساعدات العسكرية.
لكن الدعم الراسخ الذي كانت تحظى به إسرائيل في الكونغرس تراجع في السنوات الأخيرة، بحيث واجه نتانياهو انتقادات حادّة يسارية بسبب سياسات مثل خطط حكومته لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت فيليس بينيس من معهد دراسات السياسات إن الولايات المتحدة كانت لديها القدرة على الإصرار على مساءلة كلّ من حماس وإسرائيل في ما يتعلق بالأذى الذي يلحق بالمدنيين.
وأضافت "إذا كنتم جادّين في إنهاء العنف، عليكم النظر إلى الأسباب الجذرية، على الرغم من عدم رغبة الكثيرين في القيام بذلك".
وتابعت "كلّ شخص يقول إن علينا أن نفهم سبب حدوث ذلك يُنظر إليه على أنه يحاول تبرير ما يحصل، وهذا خطأ. لا تبرير للهجمات على المدنيين، نقطة وانتهى الأمر".
غير أنها عبّرت عن خشيتها أيضًا من أن تلعب الولايات المتحدة "دورًا خطيرًا جدًا" في تبرير ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزّة.
وقالت "قد يكون ذلك مدمّرًا".
التعليقات