حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من "خروج منطقة الشرق الأوسط عن السيطرة" إذا لم توقف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة – على حد تعبيره.
وألقى عبد اللهيان باللوم على الولايات المتحدة في إمداد إسرائيل بالدعم العسكري.
وفي مؤتمر صحفي بطهران، قال عبد اللهيان: "أحذّر الولايات المتحدة ووكيلتها إسرائيل إذا لم توقفا الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، فإن كل شيء محتمل في أية لحظة، ويمكن أن يُخرج المنطقة عن السيطرة".
وفي الأيام القليلة الماضية، برزت مخاوف من اتساع دائرة الحرب المشتعلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري بين إسرائيل وحماس، إذ حذّرت واشنطن من تبعات تهديد مصالحها في المنطقة، معلنة في الوقت ذاته عن نشرٍ جديد لدفاعات جوية متطورة.
ونوّه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى "احتمالية تصعيد" من جانب وكلاء إيران، مثل حزب الله أو حماس، قائلا إن الولايات المتحدة "تتخذ كافة التدابير" لضمان القدرة على الدفاع عن"الإسرائيليين والمواطنين الأمريكيين".
وبالفعل أرسلت الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، تضمنت حاملتَي طائرات، وسُفنا للدعم، ونحو ألفَي جندي من المارينز (مشاة البحرية)، للمساعدة في ردع هجمات تشنها "قوات موالية لإيران".
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الأحد: "ما نشهده هو تصعيد خطير من الهجمات على قواتنا ومواطنينا في أنحاء المنطقة".
وأضاف أوستن لـشبكة أيه بي سي الأمريكية: "إذا كانت أي جماعة أو دولة تتطلع إلى توسيع نطاق الصراع والاستفادة من هذا الوضع المؤسف، فنصيحتنا لها: ألا تفعل".
وتتزايد الإشارات إلى أن إيران تدفع وكلاءها في المنطقة إلى توسيع دائرة الحرب، بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية.
"على شفير الحرب"
ووصفت مجلة الإيكونوميست منطقة الشرق الأوسط بأنها "على شفير الحرب"، مشيرة إلى أن حدود إسرائيل الأربعة تشهد توتراً، حيث يشهد الشمال مع لبنان اشتباكات هي الأعنف منذ حرب 2006 بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية.
ومن الشرق، في سوريا، قصفت إسرائيل مطارَي دمشق وحلب الدوليين في وقت مبكر من يوم الأحد، ليخرج المطاران عن الخدمة، بحسب وسائل الإعلام الرسمية السورية.
ومن الغرب، في البحر المتوسط، تطفو حاملة طائرات أمريكية في انتظار أخرى في طريقها للمنطقة – في محاولة لردع إيران وحلفائها في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن - وتحذيرهم من الدخول في الحرب أو مهاجمة مصالح أمريكية في الخليج، فضلا عن تزويد إسرائيل بتقنية إضافية للتحذير من الهجمات الصاروخية.
ومن الجنوب، على حدود غزة، تُرابط قوات إسرائيلية ضخمة في انتظار صدور الأوامر ببدء اجتياح بري للقطاع المحاصَر.
ومن الجنوب أيضا، في البحر الأحمر، اعترضت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" ثلاثة صواريخ وعدداً من الطائرات المسيّرة، تم اطلاقها من اليمن عبر جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي كانت في طريقها لإصابة أهداف في إسرائيل.
وتزامناً مع ذلك، نوّه رئيس وزراء الحوثيين عبد العزيز بن حبتور إلى أن المدمرة الأمريكية لم تتمكن من التصدّي لكل الصواريخ التي أطلقها الحوثيون باتجاه الأراضي الإسرائيلية في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مشيراً إلى أن هناك صواريخ "تمكنت من الوصول إلى أهدافها".
وإلى ذلك، شهدت الأيام القليلة الماضية تعرُّض قواعد عسكرية عديدة تستخدمها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة للاستهداف بهجمات بطائرات مسيّرة وهجمات صاروخية، بحسب الإيكونوميست.
وجاءت صواريخ الحوثي باتجاه إسرائيل للتلويح بإمكانية انفلات وكلاء إيران - على الرغم من اختلافهم - في أنحاء المنطقة.
السيناريوهات المتاحة أمام إيران
يرجّح سيد غنيم، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا والأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، أن تسعى إيران إلى الحفاظ على الزخم الذي تعيشه الفصائل المسلحة الفلسطينية ووضع إسرائيل تحت ضغط.
ويرى غنيم أن القيادات الإيرانية في طهران، من أجل تحقيق هذه المساعي، ستتفق على اثنين من السيناريوهات: الأول يحدث بالفعل حاليا، أما الثاني فلا يزال متوقَّع الحدوث.
ويتمثل السيناريو الأول في شنّ ضربات مكثّفة من الجبهة الشمالية (لبنان) لقصف قوات وأصول عسكرية إسرائيلية.
أما السيناريو الثاني، المتوقّع حدوثه، فيتمثل في قيام "جميع أذرع إيران في تلك الجبهة الشمالية والقوات الموالية لها بتخطّي الحدود لتنفيذ مهام في إطار حرب عصابات ضد القوات الإسرائيلية"، وذلك من أجل تخفيف الضغط على الفصائل الفلسطينية وتشتيت القوات الإسرائيلية في غزة، في حال أقدمت الأخيرة على اجتياح القطاع برياً.
وأكد غنيم أن مثل هذا التصعيد "سيكون محسوباً وحذراً للغاية".
- ولكن ماذا عن القوات الأمريكية؟
يرجح غنيم أن يستمر الحوثيون في استخدام الصواريخ بعيدة المدى وكذلك "أذرع إيران بالعراق في استهداف القوات الإسرائيلية فتضطر القوات الأمريكية الموجودة بالمنطقة إلى اعتراض تلك الصواريخ والتصدي لها بما يستنزف قدرات تلك القوات ويُجهدها".
"حفظ ماء الوجه"
وربما كانت الحكومة الأمنية المصغرة الحالية في إسرائيل تعكف على تقييم الردّ العربي؛ ذلك أن ارتفاع معدلات الضحايا المدنيين في غزة بوتيرة سريعة قد يكون متبوعاً برد من جانب حزب الله ووكلاء إيران في المنطقة الذين قد "يرون ماء وجوههم قد أُريق عبر الفشل في الانتقام للضحايا"، على حدّ تعبير الإيكونوميست.
وستجد جماعة حزب الله دعماً قويا في العالم العربي إذا ما شنّت هجمات ضد إسرائيل، التي قد تبادر من جهتها بتوجيه ضربات استباقية في حال رأت أن الحرب باتت حتمية الوقوع، بحسب المجلة البريطانية.
"مجبر أخاك لا بطل"
وتشير الصحيفة إلى أنه بالنسبة لإيران، يبدو الأمر انتصاراً على طريق بسط الهيمنة إقليميا، فعلى مدى سنوات، عكفت طهران على تمويل وتسليح وتدريب وكلاء لها في المنطقة، مثل حماس وحزب الله، على أساس أن العنف والفوضى من شأنهما إضعاف جبهة إسرائيل من ناحية، وإضعاف موقف الحكومات العربية من ناحية أخرى.
في حين قال مسؤولون أمنيون إيرانيون لوكالة رويترز للأنباء، إن استراتيجية طهران بالنسبة لوكلائها في الشرق الأوسط، مثل حزب الله، تتمثل في مواصلة شن هجمات محدودة على أهداف إسرائيلية وأمريكية، لكن من دون تصعيد كبير من شأنه أن يجُرّ طهران إلى الحرب المباشرة.
ويؤكد غنيم أنّ تدخُّل إيران كدولة في تلك الحرب لا يزال أمراً مُستبعداً بدرجة كبيرة، معتبراً أن إيران لا تريد التورّط في حرب تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لا سيما وأنها (إيران) تعلم أن إسرائيل "ستستغل الفرصة من أجل تدمير ما يمكن تدميره من القدرات العسكرية الإيرانية"، مستعينة في ذلك بيد الولايات المتحدة الثقيلة والتي ستكون في وضع ردّ الفِعل حال أقدمت إيران على الدخول في الحرب.
ولن يكون مثل هذا التدخل من إيران محموداً من جانب حلفائها الكبار -روسيا والصين- لأسباب تتعلق بمصالح كِلتيهما حسبما يرى غنيم، والذي يضيف: أن سيناريو تدخُّل إيران الوحيد بنفسها في هذه الحرب هو أن يأتي كرَدّ فِعل على سبيل "مجبَر أخاك لا بطل" وليس كفعلٍ أو كمسعىً إيراني.
التعليقات