إيلاف من بيروت: ذات يوم، قال الرئيس الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور قوله الشهير: "إذا لم تتمكن من حل مشكلة ما كما هي، فقم بتوسيعها". بالنسبة إلى الشرق الأوسط اليوم، الأمر يستحق تطبيق هذه النصيحة لتوسيع الحل ربما لأكثر مناطق العالم اضطراباً واستعصاءً على الحل.

ثمة حاجة عاجلة إلى أن تبدأ الدول العربية المعتدلة وإسرائيل بوضع الأساس لإنشاء منظمة أمن جماعي أشبه بمنظمة حلف شمال الأطلسي وهيئة اقتصادية أشبه بالاتحاد الأوروبي. من شأن هذه المؤسسات أن تطلق العنان لإمكانات المنطقة من خلال مواجهة دورات العنف التي لا هوادة فيها، بحسب فريدريك كيمبي، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي. يقول: "في خضم أهوال الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة، قد تبدو هذه المفاهيم خيالًا ساذجًا. مع ذلك، فإن بعض كبار المسؤولين في الشرق الأوسط يفكرون بالفعل بهذه المصطلحات، ويجادلون بأن مثل هذا النهج سيكون الطريقة الأفعل لمواجهة حرب بالوكالة تشنها إيران المتطرفة إيديولوجيًا، والتي من دونها لا يمكن أن تحدث هجمات حماس".

المثال الأوروبي

يشير هؤلاء المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إلى أوروبا بصفتها مثالًا يحتذى. عانت هذه القارة من العنف السياسي والعنف الديني الذي بلغ ذروته في حربين عالميتين كارثيتين، ونجح الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في تحقيق حقبة طويلة من السلام غير المسبوق في المنطقة. أما الحروب الأوروبية الوحيدة فوقعت في بلدان خارج هذه المؤسسات، مثل أوكرانيا وجورجيا ويوغوسلافيا. يقول كيمبي: "نظراً للخصائص التاريخية والجغرافية التي يتميز بها الشرق الأوسط، كل ما تستحضره بلدانه سيتطور بشكل مختلف. الأفضل أن نبدأ بمجموعة صغيرة من البلدان الملتزمة، ثم نتوسع". تأسس حلف شمال الأطلسي في عام 1949 وكان يتألف من 12 دولة فقط، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا من خارج أوروبا، ويضم الآن 31 عضواً. تأسست الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في عام 1952 وتضم ستة بلدان، وكانت بمثابة نواة للاتحاد الأوروبي الذين يضم الآن 27 عضواً.

على الدول العربية المعتدلة وإسرائيل أن تبدأ بالأمن الجماعي. يقول كيمبي: "أخبرني أحد كبار المسؤولين العرب أن دول اتفاق إبراهام، إضافة إلى مصر والأردن، ستكون مرشحة للعضوية في المرحلة الأولى. فقد قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع سي أن بي سي في عام 2022: "سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون حلف شمال أطلسي في الشرق الأوسط وكما أخبرني زعيم عربي كبير آخر، سوف يتطلب الأمر من إسرائيل أن تدرك أن عزوها غزة يصب في مصلحة إيران". فليس أمام تل أبيب من خيار سوى شن الحرب ضد حماس والسعي إلى تدمير قدرتها على حكم غزة والقيام بهجوم آخر. مع ذلك، حتى لو تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من القضاء على التهديد العسكري لحماس، "فإن ذلك لن يعالج مصدر عدم الاستقرار الإقليمي: إيران، وأيديولوجيتها المتطرفة، ودعمها لوكلائها - حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن"، كما يضيف كيمبي.

الفوضى الإيرانية

حكام إيران الذين يسعون إلى تدمير إسرائيل وهزيمة الولايات المتحدة وشركائها يزدهرون في الفوضى والعنف الذي أنتجته حماس. ففي هذا المناخ، يستطيعون السيطرة على سكان غزة وتوسيع نفوذهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وأفضل طريقة لمواجهة عدم الاستقرار الذي تسببه إيران هو أن تقوم الدول العربية المعتدلة في الخليج والمنطقة، بناء على اتفاقيات إبراهام، بتعميق تعاونها الأمني والتكنولوجي والاقتصادي والاستثماري.

يتابع كيمبي: "يقول المسؤول العربي الثاني إن نتيجة زيادة التعاون الإقليمي على مدى العقد المقبل سوف تعكس ما حدث في أوروبا. وسيواجه حكام إيران الاستياء المتزايد بين المواطنين الذين يركزون اهتمامهم على التقدم الذي تحرزه الدول المجاورة، تماماً كما فعل مواطنو الاتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو أثناء مواجهة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في أيام الحرب الباردة. ولتحقيق النصر في هذا الصراع، استئصال حماس أمر ضروري ولكنه غير كاف، في حين أن الحاجة الحقيقية تتلخص في إلحاق الهزيمة بإيران، وهو الأمر الذي لا إسرائيل ولا الدول العربية المعتدلة ولا الولايات المتحدة مستعدة للقيام به عسكرياً".

بحسب كيمبي، على القادة الإسرائيليين أن يعودوا في أقرب وقت ممكن إلى العمل مع الدول العربية التي تحسنت علاقاتهم معها إلى حد كبير، "فبهذه الطريقة تستطيع إسرائيل أن تحول أهوال الهجمات الإرهابية التي تشنها حماس إلى سلام أكثر استدامة، سلام لا يمكن حتى لهزيمة حماس الكاملة أن تحققه، وإذا تمكنت إسرائيل والدول العربية المعتدلة من الاستفادة من هذه الأزمة لصالح الأجيال القادمة، فيمكنها وضع منطقتها على مسار أكثر إيجابية واستدامة. وإذا فشلت المنطقة في اغتنام هذه الفرصة، متوقع أن ينتشر التطرف الإيديولوجي والعنف، وربما يعرض الدول العربية المعتدلة ذاتها للخطر".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها فريدريك كيمبي ونشرها موقع "المجلس الأطلسي"