إيلاف من دبي: عندما بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، دخلت السياسة في سبات عميق، لكن ثمة تبدلات تحصل اليوم، خصوصًا على خط التنافس السياسي داخل أوكرانيا نفسها، خصوصًا أن للمحاولات الرئاسية لـمركزية عملية صنع القرار وإسكات أصوات المعارضة تأثير معاكس.

بحسب "إيكونوميست" البريطانية، لم تظهر التصدعات على طول الخطوط السياسية فحسب، بل بين القيادتين العسكرية والسياسية، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق. فمفهوم أن تكون العلاقات بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائده الأعلى الجنرال فاليري زالوزني سيئة جدًا، منذ قال الجنرال لمجلة "إيكونوميست" في الصيف الماضي إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود. حينها، وبخ زيلينسكي جنراله علنًا، ودعاه إلى التزام الشؤون العسكرية بدلاً من "ممارسة السياسة".

تنسب المجلة البريطانية إلى مصدر حكومي أوكراني كبير قوله إن الصراع في القيادة كان نتيجة متوقعة لهجوم مضاد متعثر. يضيف هذا المسؤول: "ربما لم يكن زالوزني حكيمًا حين ناقض المواقف العامة الأكثر تفاؤلاً لرئيسه، لكن قلة داخل الحكومة يمكن أن تعترض على استنتاجاته الرصينة. واليوم، يبحثون عمن يلقون عليه اللوم بشأن الفشل العسكري. يقول السياسيون إن جنرالاتهم أغبياء تلقوا تدريبًا سوفياتيًا، فييما يقول الجنرالات إن السياسيين يتدخلون في أمور لا يفقهون فيها".

يصنعونه ويحطمونه

ثمة عامل آخر مؤثر: التحقيق الجنائي في الفشل عن الدفاع عن جنوب أوكرانيا. فهذه هي المنطقة الوحيدة التي حققت فيها القوات الروسية نصرًا سريعًا في فبراير ومارس 2022، ما أدى إلى إنشاء ممر بري جديد إلى شبه جزيرة القرم في غضون أسابيع قليلة من بداية الحرب، بمساعدة الانفصاليين الأوكرانيي. لم يتم تفجير الجسور كما ينبغي، وكان الجيش سيئ الاستعداد. وتقول تقارير إن زالوزني يُذكر حاليًا كشاهد في التحقيق، لكن هذا قد يتحول إلى شيء أكثر خطورة. يقول أنصاره إن احتمال توجيه تهمة جنائية إليه هدفها لجمه وإبقائه تحت المراقبة.

لم يعلن زالوزني عن أي طموح سياسي، كما أن خطواته القليلة في الساحة السياسية لم تكن حاذقة على الإطلاق، لكن هذا لا يعني أنه لا يشكل أي تهديد لزيلينسكي. تقول "إيكونوميست": "يعرف الرئيس، الذي كان ممثلاً كوميديًا حتى عام 2019، مدى السرعة التي يمكن المجتمع الأوكراني فيها أن يصنع قادته وأن يحطمهم". وتشير استطلاعات الرأي الداخلية إلى أن سمعة زيلينسكي، الذي أشيد به مرة لدوره في الدفاع عن البلاد، قد شوهتها فضائح الفساد في حكومته. وتظهر أرقام منتصف نوفمبر الماضي أن الثقة فيه انخفضت إلى 32 في المئة، فيما حظي الجنرال زالوزني بثقة 70 في المئة من المشاركين في الاستطلاع. كما تفوق رئيس الاستخبارات الأوكرانية، كيريلو بودانوف، على الرئيس بفوزه بثقة 45 في المئة.

يشير الاستطلاع نفسه إلى أن زيلينسكي يخاطر بخسارة الانتخابات الرئاسية إذا واجه القائد الأعلى للقوات المسلحة. في الوقت الحالي، يعارض ثمانية من كل عشرة أوكرانيين فكرة إجراء انتخابات، المقررة أصلاً في مارس المقبل. وقد استبعدها الرئيس أيضاً بفرضه الأحكام العرفية. لكن الانخفاض في شعبيته قد يقنعه بتغيير رأيه.

الدعاية الروسية

لا شك في أن الدعاية الروسية ستحقق نجاحاً كبيراً إذا لم يتم إجراء الانتخابات. وتقول مصادر الاستخبارات الأوكرانية إن روسيا تحاول الاستفادة من هذا التوتر. ادعى أندريه تشيرنياك، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية، وجود أدلة أظهرت استراتيجيات روسية جديدة لمختلف الدوائر الانتخابية: واحدة لتعزيز الدعم في روسيا، وأخرى لتقويض الثقة في الغرب، وثالثة لتضخيم ما يجري في أوكرانيا، إلى جانب حملة تضليل تستهدف الجنود الأوكرانيين، من خلال مقاطع مصورة مزيفة تظهر قادة عسكريين يشجعون جنودهم على الاستسلام للروس.

بحسب "إيكونوميست"، يشير المصدر الحكومي الرفيع إلى أن الدعاية الروسية اكتسبت زخما لأنها تحتوي على مواد يمكن التلاعب بها، معترفًا بوجود فساد، وبأن أوكرانيا لم تعبئ اقتصادها بما يكفي للحرب. لكن روسيا وحدها هي من ستستفيد إذا أُجبر زيلينسكي على التنحي. يقول: "بعض ساستنا لا يشعرون بالقلق بما فيه الكفاية بشأن التهديد الروسي، وهذا يجعلني غاضبا. إنهم يعتقدون أن بإمكانهم تحدي السلطة، وتدمير زيلينسكي. الأجهزة الأمنية قضت على معظم أدوات النفوذ الروسي منذ بداية الحرب".

عسكريًا، روسيا في وضع جيد نسبيًا، فيما تكافح أوكرانيا لتعبئة المزيد من الجنود لتغطية الخسائر البشرية. لكن إذا كانت أغلبية أولئك الذين تم حشدهم في بداية الحرب يعرفون ما كانوا يقاتلون من أجله، فإن القليل من المجندين الجدد لديهم الرغبة نفسها. يقول أحد القادة العسكريين: "لا يمكن الذين يتعرضون لإطلاق النار أن يهتموا إن تشاجر زالوزني مع زيلينسكي أم توافقا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونوميست" البريطانية