إيلاف من بيروت: عندما سُجن يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، في إسرائيل قبل أكثر من عقد من الزمان، شرح لمسؤول إسرائيلي نظرية صارت الآن محورية في الحرب في غزة. قال السنوار حينها إن ما تعتبره إسرائيل نقطة قوة – أي أن معظم الإسرائيليين يخدمون في الجيش وأن الجنود يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع – هو ضعف يمكن استغلاله، كما قال يوفال بيتون، الذي قضى بعض الوقت مع السنوار حين كان رئيسًا لسجون إسرائيل.
ثبتت دقة الفكرة في عام 2011 عندما كان السنوار واحدًا من 1027 أسيرًا فلسطينيًا تم إطلاق سراحهم مقابل جندي إسرائيلي واحد. الآن، يحتجز السنوار 138 إسرائيليًا، بينهم جنود، ويراهن على أنه قادر على إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، معتمدًا على حكمه على المجتمع الإسرائيلي بعد عقدين من دراسته في السجن، وتعلم العبرية، ومشاهدة الأخبار المحلية، والدخول في النفس الإسرائيلية. لكن أولاً، على حماس أن تنجو من الهجوم الإسرائيلي المميت، فممكن أن يدمر السنوار جماعته وأن يفقد حياته، كما يقول روري جونز وسمر سعيد ودوف ليبر وصالح البطاطي، في مقالة مشتركة نشرتها صحيفة "وال ستريت جورنال".
تقول إسرائيل إن خطتها تهدف إلى تدمير حماس في القطاع، ومنعها من تهديد المجتمعات الإسرائيلية مرة أخرى بعد هجمات 7 أكتوبر. مع ذلك، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متزايدة للعمل مع السنوار من أجل تحرير الرهائن المتبقين. وقال بيتون: "يدرك أن إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا. يعرف أن هذه هي نقطة ضعفنا".
كانت قواعد اللعبة التي اتبعها السنوار منذ أن أصبح زعيمًا لحركة حماس في غزة في عام 2017 هي تذكير الإسرائيليين باستمرار بأنهم في صراع مع الفلسطينيين، ففي لحظة يتفاعلون بشكل بناء مع إسرائيل، وفي اللحظة التالية يتبعون وسائل عنيفة لتحقيق أهداف سياسية. تاريخه طويل في مطاردة الفلسطينيين المتعاونين مع إسرائيل، وقد نظر بعض الإسرائيليين إلى نهجه في مفاوضات الرهائن على أنه محاولة لشن حرب نفسية. ففي خلال المفاوضات الأخيرة، قطع الاتصالات عدة أيام للضغط على إسرائيل للموافقة على وقف مؤقت يمنح حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها، وفقًا لوسطاء مصريين. وعندما تم إطلاق سراح الرهائن، تم إطلاق سراحهم على دفعات في كل يوم، ما خلق شعوراً يومياً بالقلق في المجتمع الإسرائيلي.
لن تنتهي بسرعة
قال السنوار، وهو في أوائل ستينياته، للمفاوضين المصريين منذ ذلك الحين إن الحرب لن تنتهي بسرعة، كما انتهت جولات العنف الأخرى في غزة، ويمكن أن تستمر أسابيع، ما يشير إلى أنه يريد الضغط قدر استطاعته. وفي أعقاب انهيار وقف إطلاق النار الأخير، قالت حماس أنها لن تطلق سراح المزيد منهم حتى تنهي إسرائيل حربها، وإنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن في غزة مقابل جميع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الذين يقدر عددهم بأكثر من 7000 شخص. وتقول نظرية المسؤولين الإسرائيليين أن حماس أكثر استعدادًا للتفاوض بشأن إطلاق سراح النساء والأطفال لأن إسرائيل غزت غزة وبدأت في الضغط على الحركة عسكريًا.
بعد إطلاق سراحه في عام 2011، أخبر السنوار رفاقه المعتقلين أنه سيعمل على إطلاق سراحهم. وفي حال استئناف المفاوضات، قال غيرشون باسكن، ناشط السلام الإسرائيلي الذي ساعد في التوسط في اتفاق عام 2011، إنه من غير المرجح أن تذعن إسرائيل لمطلب السنوار وتتخلى عن الفلسطينيين الذين يعتبرون الأكثر خطورة.
أمضى السنوار داخل السجن أكثر مما أمضى خارجه. قبل العقوبة، كان مقربًا من مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين، الذي تم إطلاق سراحه في عام 1985 في صفقة تبادل شملت أكثر من 1000 أسير مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين. عمل مع معلمه لمطاردة المخبرين الفلسطينيين المشتبه في عملهم مع إسرائيل، وكانت شرطة الأمن الداخلي التي أنشأها السنوار بمثابة نواة كتائب عز الدين القسام. في عام 1988، اعتقلته إسرائيل. خلال سلسلة من الاستجوابات، أوضح السنوار كيف قام باعتقال فلسطيني متعاون مع إسرائيل بينما كان في السرير مع زوجته، فعصب عينيه واقتاده إلى منطقة فيها قبر محفور حديثا وخنقه بالكوفية، ثم لفه بكفن أبيض ودفنه هناك.
تأثير كبير
في حادثة أخرى، قال السنوار إنه يعتقد أن شقيق أحد نشطاء حماس كان يتعاون مع الإسرائيليين، وفقًا لمايكل كوبي، الذي كان أحد الذين استجوبوا السنوار لأول مرة على مدار أكثر من 100 ساعة لصالح جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي. وقال السنوار إنه طلب من أحد نشطاء حماس دعوة شقيقه لاجتماع، ووضعوه في قبر ودفنوه حيا. في استجواب منفصل، اعترف السنوار بقتل 12 فلسطينيا قبل اعتقاله. وقال كوبي إن أياً من الرجال الذين قتلهم لم يكن يعمل مع السلطات الأمنية الإسرائيلية.
أضاف كوبي: "في وقت مبكر من عام 1989، أخبرني السنوار أنه كان يخطط لإنشاء وحدات لتدخل إلى إسرائيل لقتل واعتقال الناس"
كان السنوار عضوا مؤثرا داخل السجن. وقال بيتون إن السجناء اختاروه مرتين رئيسًا عليهم عبر نظام السجون. وحين لم يكن زعيما، كان له تأثير كبير في الذين كانوا قادة. وقال بيتون إنه في عام 2004، بدا السنوار أنه يعاني مشاكل عصبية، وكان يتحدث بشكل غير واضح ويعاني صعوبة في المشي. فحصه الأطباء ووجدوا ورمًا في الدماغ يهدد حياته، فنقلوه من سجن قريب من بئر السبع إلى مستشفى المدينة لإجراء عملية جراحية. وبعدما شفي، عاد إلى السجن وشكر الأطباء.
منح السنوار المسؤولين الإسرائيليين الانطباع بأنه يريد وقف العنف. في نهاية الانتفاضة الفلسطينية في عام 2005، حاوره صحفي إسرائيلي داخل السجن، فقال له إن حماس ستكون منفتحة على وقف طويل الأمد لإطلاق النار مع الإسرائيليين، يمكن أن يؤدي إلى استقرار المنطقة، "لكنها لن تقبل إسرائيل كدولة أبدًا، مع أنه يفهم أن حماس لن تتمكن من هزيمة إسرائيل عسكريا". أضاف بالعبرية: "تماما كما جعلنا حياة اليهود مريرة خلال المواجهة، سنجعل حياتهم صعبة في الحوار بشأن وقف إطلاق النار".
خطة لخطف الجنود
في عام 2006، فاجأ نشطاء حماس جنودًا إسرائيليين في مركز قيادة على حدود قطاع غزة، واختطفوا جلعاد شاليط. أحد المسؤولين عن تنظيم عملية الاختطاف هو محمد، الأخ الأصغر للسنوار. استمرت المحادثات لتحرير شاليط سنوات.
في السجن، قضى السنوار ورفاقه السجناء معظم حياتهم في زنزانات تضم من ثلاثة إلى ثمانية أشخاص، يخرجون مرتين يوميًا إلى الفناء للتجول ساعة ونصف تقريبًا. وقال بيتون إنهم علموا بعضهم الإنكليزية والعبرية وقرأوا التاريخ والقرآن.
خلال المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن إطلاق سراح شاليط، كان للسنوار تأثيرا في الضغط من أجل حرية الفلسطينيين الذين سجنوا بتهمة قتل إسرائيليين. أراد إطلاق سراح أولئك الذين شاركوا في التفجيرات خلال الانتفاضة الثانية التي قتلت أعدادا كبيرة من الإسرائيليين. وقال بيتون والمسؤول المصري إن السنوار كان متشددا في مطالبه، لدرجة أن إسرائيل وضعته في الحبس الانفرادي للحد من نفوذه داخل حماس.
قال باسكن إن إسرائيل أطلقت في نهاية المطاف سراح بعض الفلسطينيين الذين ارتكبوا جرائم قتل واعتبرت خطرة، بما في ذلك السنوار نفسه، الذي قام للتو بالخروج، لأن الإسرائيليين لديهم تحفظات على إطلاق سراحه. وقال كوبي: "إطلاق سراحه كان أسوأ خطأ في تاريخ إسرائيل". فبعد أسبوع من إطلاق سراحه في عام 2011، قال السنوار إن الخيار الأفضل لتحرير السجناء المتبقين في الداخل هو اختطاف المزيد من الجنود الإسرائيليين.
جرائم بالجملة
عاد إلى غزة مختلفة تماماً. تحكم حماس المدينة بعد أن انتزعت السيطرة عليها من السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا. وتم عزل القطاع عن باقي إسرائيل. مارس نفوذه داخل حماس، وشارك خلال حرب عام 2014 في اعتقال وقتل مخبرين فلسطينيين لصالح إسرائيل. ووصفت حماس عمليات القتل بأنها "عملية خنق الرقاب". من بين الذين عثر عليهم مقتولين بالرصاص أيمن طه، المتحدث السابق باسم حماس، والذي كان طه همزة الوصل بين حماس والمخابرات المصرية. يقول مسؤولون مصريون إن السنوار قتله بسبب مخاوف من تسريبه معلومات عن علاقة حماس بإيران. وقالت حماس في ذلك الوقت إن طه قُتل في غارات جوية إسرائيلية.
في عام 2016، شارك السنوار في قرار إعدام قائد كبير في الجناح المسلح، محمود اشتيوي، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومصريين وشخص مقرب من القائد المقتول. تقول "وال ستريت جورنال" إن الأسباب الدقيقة لذلك ليست واضحة. ويقول مسؤولون مصريون إن السنوار اعتقل اشتيوي وأقنع حماس بأنه جاسوس لإسرائيل. وقال مسؤول في حماس إن القائد كان مخبراً لدول عربية. قبل مقتله، أخبر اشتيوي عائلته أن محمد ضيف، رئيس الجناح المسلح، زاره وأمر مسؤولين آخرين في حماس بالإفراج عنه. وقالت حماس في في بيان إنه أُعدم بتهمة ارتكاب جرائم "سلوكية وأخلاقية".
بعد عام، انتخب السنوار زعيمًا لحماس. وأكد قادة آخرون في حماس أن انتخابه لن يجر الجماعة إلى جولات جديدة من العنف الداخلي والخارجي. وقال السنوار مرة أخرى علنًا إن حماس ملتزمة الإفراج عن كل أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية. وسرعان ما سعى إلى مصالحة حماس مع فتح، محذرا من أنه سوف "يكسر عنق" أي شخص يقف في طريق المصالحة. لكن سعيه لم يصل إلى خواتيم سعيدة.
غير صحيح
في عام 2021، فاز السنوار بولاية ثانية، وتعهد مرة أخرى بتحرير السجناء الفلسطينيين. وفي مايو من ذلك العام، أطلقت حماس صواريخها على القدس ما ساعد على إشعال صراع استمر 11 يومًا. خلق الموت والدمار الذي أحدثه الصراع إحساسا في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن حماس تم ردعها وأن السنوار لن يحاول الهجوم لأنه كان أكثر تركيزا على بناء القطاع اقتصاديا.
أظهر هجوم 7 أكتوبر أن هذا غير صحيح. في حين أثبت الهجوم الخاطف الأولي نجاحه، إلا أن السنوار ارتكب خطأين، وفقا لعاموس جلعاد، وهو مسؤول دفاع إسرائيلي كبير سابق. قال جلعاد إنه كان يعتقد أن الهجوم سيبدأ حربًا إقليمية تشمل إيران وحزب الله، وأن إسرائيل لن تغزو غزة لقتل قيادة حماس.
أضاف جلعاد: "الآن، استراتيجيته هي كسب الوقت، لكن ليس لدينا أي خيار سوى تدميره".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن صحيفة "وال ستريت جورنال" الأميركية
التعليقات