جدة: على خشبة مسرح في الوسط التاريخي لمدينة جدة السعودية، تجمّع حشد من السعوديين والسياح، محيطين بمغني الراب "تاي دولا ساين"، متفاعلين مع أغانيه.

وعلى وقع الهتافات، أدى المغني الأميركي ذو الشعر المجدول والبالغ من العمر 41 عاماً، واسمه الحقيقي تايرون وليام غريفين جونيور، أغانيه خلال حفله في مهرجان "بلد بيست" (Balad Beast) الموسيقي الذي بدأت المملكة بتنظيمه قبل بضع سنوات. كان المشهد شبابي ويضج بالموسيقى.

وقال تاي "في كل مرة آتي إلى السعودية، أشعر بأجواء إيجابية".

وسلّط أداء "تاي" في أقدم أحياء جدة المعروف باسم "البلد"، إلى جانب فنانين مثل وو تانغ كلان ومايجور لايزر، الضوء على الجهود المبذولة لجعل الموقع المُدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو، أكثر استقطاباً للشباب.


جانب من الحضور في مهرجان "بلد بيست" الموسيقي في أقدم أحياء مدينة جدة

مدينة تاريخية بأجواء عصرية
وفي إطار مشروع "رؤية 2030"، يطمح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تطوير وتنويع مصادر اقتصاد بلاده، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، وتهدف السلطات إلى بناء ثلاثة آلاف غرفة فندقية جديدة في "البلد"، في إطار محاولتها جذب ملايين السيّاح.

وبعيداً عن فعاليات "بلد بيست"، تشهد المنطقة التي تبلغ مساحتها 2,5 كيلومتر مربع، تحولاً كبيراً من خلال افتتاح عدد كبير من المقاهي والمتاحف ومساحات تقديم العروض وورش العمل للفنانين والحرفيين.

برزت "البلد" في القرن السابع كمركز للحجاج والتجار. وفي العام 1947، دفع النمو السريع السلطات إلى هدم الأسوار المحيطة بـ"البلد". ولا تزال بعض بوابات السور صامدة، وكذلك المباني الحجرية المرجانية المميزة في وسط المدينة، والتي يحتوي العديد منها على شرفات مبنية من خشب الساج المشبّك.

وأدرجت منظمة اليونسكو "البلد" على لائحة التراث العالمي في العام 2014. وفي العام 2018، بدأت جهود "التنشيط" التي تشرف عليها وزارة الثقافة.

اليوم، تحمي الحواجز الخضراء التي أقامتها الوزارة أعمال الترميم في الفيلات والمساجد والأسواق التي يعود تاريخها إلى قرون مضت والمعروفة باسم الأسواق.


منسّق الأغاني اللبناني علي عاصي الملقّب بـ"لوش"

وقال علي عاصي، منسّق الأغاني اللبناني الملقّب بـ"لوش" والذي يعيش في جدة منذ 20 عاماً، إن الجدول المتنامي للمهرجانات والمعارض الفنية أنعش الحيّ، واجتذب الناس الذين قد لا يكون لديهم اهتمام كبير به. وأضاف "لولا مهرجان 'بلد بيست' والفعاليات الأخرى التي تُقام الآن، لم يكن أحد من الجيل الجديد سيأتي إلى البلد. كانوا سيذهبون إلى الشاطئ".

وتابع لوش "ليسوا مهتمين بتلك المحلات التجارية القديمة".

رغم ذلك، بالنسبة لبعض السكان المسنّين، فإن الإضافات الجديدة يمكن أن تكون مزعجة، وفق عاصي، مشبّهاً هذا الحذر بحذر الجدّة التي ترفض التخلي عن كرسيّها المفضّل حتى إن تحطّم.
وأردف "لوش" أنها "لن تسمح لك أبداً بإزالته أو رميه بعيداً، حتى لو كان محطمّا إلى أجزاء... إنه كرسيّها. إنه الشيء نفسه".


جانب من الحضور في 18 يناير 2024 في مهرجان "بلد بيست"

وقالت المرشدة السياحية السعودية عبير أبو سليمان إن معظم الناس كانوا متحمسين لمستقبل "البلد"، مضيفة أن الذين ليسوا كذلك "يمكنهم البقاء في المنزل. الأمر سهل وبسيط".

ويتغذّى النقاش حيال ما يحدث في "البلد" جزئياً من التغيرات الأوسع الحاصلة في جدة.

ومن المتوقع أن يؤدي مشروع إعادة تطوير عقاري قيد التنفيذ بقيمة عشرين مليار دولار، إلى نقل نصف مليون شخص من المنطقة.
وتطرح السلطات المشروع باعتباره بديلاً عن العشوائيات، مع وسائل راحة على غرار استاد وحوض أسماك ودار أوبرا في المشروع الجديد.

وقالت أبو سليمان إنها لا تشعر بالحزن على الأحياء التي مُحيت، وغالبيتها بعيدة عن وسط المدينة التاريخي، متوقعة أن يتم استبدالها بما هو أفضل. وأضافت "أنا سعيدة للغاية بأنها ولّت. كانت عبارة عن مناطق غير مخططة... لا مدارس ولا حدائق ولا عيادات. حتى أنّ بعض الأشخاص شيّدوا منازلهم من دون أن يتملّكوا الأرض".
وتفضّل أبو سليمان التركيز على مظاهر الحياة الجديدة في "البلد"، على غرار أولئك الذين احتفلوا حتى وقت متأخر ليلاً في "بلد بيست".

وقال عبدالرحمن الحبشي (20 عاماً)، وهو طالب جامعي كان يحضر الحفلة، "أنا مثلا أحبّ أن أرتدي ملابس من الطرز القديم. الأمر ذاته يحدث هنا. (...) لدينا أبنيتنا القديمة، ومعها نفحة حداثة".


منسّق الموسيقى عدنان منجل في أقدم أحياء مدينة جدة

وقال منسّق الموسيقى عدنان منجل المولود في جدة متحدثا عن تطوّر "البلد"، إن رؤية المكان وهو "يتحوّل لا إلى موقع تراثي على قائمة اليونسكو فحسب، بل أيضاً إلى حلبة رقص، رؤيته بأوجه مختلفة"، هو "أمر رائع".