تظهر صور الأقمار الصناعية ما تبدو أنها أعمال بناء واسعة النطاق جارية على طول الحدود المصرية مع غزة، والتي تزعم تقارير أنها تنفذ استعداداً لإيواء اللّاجئين الفلسطينيين.

وأفادت تقارير عن مصادر مصرية لم تسمها، إن العمل جارٍ من أجل إقامة منطقة عازلة تحوي سياجاً مسوراً في محافظة شمال سيناء المصرية في حال استمرار إسرائيل في مخططها لشن هجوم بري في مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب غزة.

ووفقاً لتقرير نشرته إحدى منظمات حقوق الإنسان، تُبنى جدران بارتفاع سبعة أمتار في المنطقة، في وقت نفت فيه مصر القيام بأي استعدادات من هذا القبيل.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إنَّ "إسرائيل ليس لديها أي نية لإجلاء المدنيين الفلسطينيين إلى مصر".

ومنذ بداية حرب غزة في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كررت مصر رفضها فتح حدودها أمام اللاّجئين. و اتخذت مصر هذا الموقف لأنّها لا تريد أن تبدو شريكةً في تهجير الفلسطينيين على نطاق واسع، وأيضاً جرّاء المخاوف الاقتصادية والأمنية التي قد يخلفها نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين.

ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عازم على شن هجوم كبير في رفح، حيث يعيش نحو 1.4 مليون شخص، على الرغم من التحذيرات الدولية، حيث تزعم إسرائيل أن عناصر حماس موجودون في المدينة ويجب "القضاء عليهم"، كما تعتقد أيضاً أن الرهائن الإسرائيليين – الذي لا يزال مصير 130 منهم مجهولاً – محتجزون هناك.

وتوجه إسرائيل المدنيين للانتقال إلى الأراضي المفتوحة شمالي المدينة وذلك قبيل الهجوم المخطط له على رفح.

وقد تحدث نتنياهو بشكل غامض عن ما أسماها "المناطق التي قمنا بتطهيرها شمال رفح"، لكنّ المعطيات تشير إلى أن التخطيط لا يزال في مرحلة مبكرة.

وكانت إسرائيل، في بداية هجومها على غزة، قد أصدرت تعليمات للفلسطينيين بالتوجه إلى رفح بينما كان القتال مستمراً شماليّ القطاع.

وقال نتنياهو مؤخراً: "سنقاتل حتى النصر الكامل وهذا يتضمن عملاً قوياً أيضاً في رفح بعد أن نسمح للسكان المدنيين بمغادرة مناطق القتال".

وقد تشير أحدث صور الأقمار الصناعية، الصادرة عن شركة "ماكسار تكنولوجيز"، إلى أن مصر قررت اتخاذ إجراءات احترازية نتيجة للهجوم الوشيك، وفي إحدى الصور، التي ترجع إلى تاريخ 15 فبراير/ شباط، تبدو مساحات واسعة من الأراضي القريبة من معبر رفح قد جُرفت.

ويبدو أن العمل قد اكتمل في الأيام القليلة الماضية، كما يمكن رؤيته عند مقارنة المشهد مع صورة سابقة لنفس المنطقة منذ خمسة أيام.

وقال محافظ شمال سيناء المصري، محمد شوشة، لقناة العربية الحدث، الخميس، إنّ الغرض من النشاط في المنطقة هو "إجراء حصر للمنازل" التي دمرت خلال الحملة المصرية الماضية ضد متطرفين في المنطقة.

وأضاف شوشة أن موقف مصر هو "عدم السماح بالتهجير القسري لسكان غزة إلى مصر"، لكنّ صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 15 فبراير/شباط تظهر أيضاً آليات البناء منتشرة على طول الطريق بجوار المنطقة الحدودية التي تم تجريفها، ويبدو أن بعضها يقيم جداراً كبيراً.

وفي الصورة القريبة أدناه، يمكن رؤية مركبة بجوار ألواح جدارية تبدو وكأنها موضوعة على الأرض وجاهزة لإضافتها إلى الجدار.

بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية، يبدو أن الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها ونشرها أعضاء مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان تظهر أعمال البناء الجارية في المنطقة.

وقالت المجموعة في تقرير في وقت سابق من هذا الأسبوع إنّ اللقطات - التي لم تتحقق بي بي سي منها - تظهر سياجاً يضم جدراناً بارتفاع سبعة أمتار تُنبى الآن في المنطقة.

ما هو معبر رفح ولماذا يعتبر شريان الحياة لقطاع غزة؟

ونقل التقرير أيضاً عن مصدر مطلع على الأمر قوله إنّ البناء يهدف إلى "استقبال اللاجئين من غزة في حالة حدوث نزوح جماعي لسكان القطاع".

وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال التقرير مع مسؤولين مصريين ومحللين أمنيين، مشيرة إلى أن المساحة التي يجري بناؤها تبلغ 8 أميال مربعة (20.7 كيلومتر مربع) ويمكن أن تستوعب أكثر من 100 ألف شخص.

خريطة لمعبر رفح والحدود المصرية مع قطاع غزة
BBC

وفي حديثه للصحفيين الأجانب يوم الخميس، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنّ "دولة إسرائيل ليس لديها أي نية لإجلاء المدنيين الفلسطينيين إلى مصر".

وأضاف "نحن نحترم ونقدر اتفاق السلام الذي أبرمناه مع مصر، فهو حجر الزاوية في استقرار المنطقة".

وتعلم إسرائيل أنها لا تستطيع أن تبدو وكأنها تطرد الفلسطينيين من أراضيهم، لكن هذا لا يعني أنها ستمنع الناس من المغادرة إذا أرادوا ذلك.

ولن تقف إسرائيل في الطريق إذا كانت مصر على استعداد لاستقبال نحو 100 ألف لاجئ (كما تشير بعض التقديرات لقدرة المنطقة المسيجة التي يجري بناؤها في سيناء المصرية).

ويشعر مسؤولو الأمم المتحدة بالقلق العميق، ويخشون أن تكون هناك عملية إجلاء جماعية تلوح في الأفق، وقال أحد المسؤولين لبي بي سي، شريطة عدم الكشف عن هويته "يبدو أن الأمور ماضية في هذا الاتجاه".

وفي حديثه لوكالة رويترز للأنباء في مؤتمر ميونيخ الأمني، حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من أن تدفق اللاجئين من رفح إلى مصر سيكون "كارثة للفلسطينيين ولمستقبل السلام".

وينحدر نحو 80% من سكان قطاع غزة من اللاّجئين الذين اجبروا على النزوح من قراهم عام 1948، لذلك فإن مغادرة غزة، الجزء الأخير من وطن أجدادهم، سيبدو بالنسبة للكثيرين بمثابة تكرار لما يسميه الفلسطينيون "النكبة".

وحتى لو وُصف مخيم اللاّجئين الموجود على الجانب الآخر من الحدود بأنه ملجأ مؤقت، فمن المرجح أن يكون شعورهم بالصدمة عميقاً لدى مغادرتهم غزة.

ورغم أن إسرائيل قد ترغب في تصوير ذلك باعتباره خطوة طوعية ـ استجابة لدعوة مصرية ـ فإن الفلسطينيين سوف يجدون صعوبة في النظر إليه باعتباره أي شيء آخر غير طرد قسري آخر، بعد أكثر من أربعة أشهر من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة، والتي تديرها حماس، قد أفادت بأن ما لا يقل عن 28,775 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا نتيجة للهجوم الإسرائيلي على غزة، حيث اتخذت إسرائيل إجراءات بعد أن قتل مسلحون بقيادة حماس حوالي 1200 شخص واحتجزوا 253 رهينة في هجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين أول.