إيلاف من الرباط: اثار حديث وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق عن رفضه وضع "الربا" في نفس كفة " الفوائد على القروض" لغطا وجدلا كبيرا خاصة في صفوف التيار الاسلاموي.

جاء ذلك خلال إلقاء الوزير التوفيق، قبل أيام ،درسا في مستهل "الدورس الحسنية الرمضانية"، التي تلقى في حضرة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين.

وتناول التوفيق بالدرس والتحليل موضوع "تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين "، انطلاقا من الحديث الشريف القائل: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".

وأشار التوفيق في درسه إلى أن بعض المتكلمين في الدين قد أحرجوا ضمير المسلمين بالقول إن الربا هو الفائدة على القرض بأي قدر كانت، مبرزا أن حكمة القرآن جاءت للقطيعة مع ممارسة كانت شائعة في بعض الحضارات القديمة، وهي استعباد العاجز عن رد الدين بفوائد مضاعفة.

وذكر التوفيق بأن بعض فلاسفة اليونان كانوا قد استنكروا ذلك. ليخلص إلى القول إن الاقتراض في هذا العصر هو في معظمه للضرورة أو الاستثمار، وفي ما عدا ثمن الأجل ومقابل الخدمات فإن الفائدة تقل بقدر نمو الاقتصاد في البلد.

ويظهر من خلال التدقيق في هذه الفقرة العارضة من الدرس أن الوزير التوفيق تحدث عن عناصر واقع جار ولم يقل بتحليل ولابتحريم، ذلك ان حديثه عن المعاملات المصرفية جاء عرضا في سياق الكلام عن التجديد،فهو تحدث عن عشرين نقطة تلمس فيها ملامح التجديد في عهد الملك محمد السادس، مشيرا في سياق ذلك إلى "المالية التشاركية"، بإعتبارها نوعا من المالية التي لا تخلو من فوائد مقنَّعة من جهة، ولا يجوز أن تشعر الناس بأن المعاملات المصرفية العادية خارجة عن الإسلام ما دامت في إطار التعاقد،وما لم تكن بالأضعاف المضاعفة.

وذكر التوفيق، في هذا الصدد، بأن المرجع في ذلك يبقى هو المجلس العلمي الأعلى الذي أصدر حتى الآن أكثر من 170 فتوى في الموضوع.

في سياق ذلك، ثمة قراءة تقول إن ما لمح له الوزير التوفيق من إحراج الضمير الإسلامي بالقول إن الفوائد بقطع النظر عن مقدارها تدخل في الربا، إشارة إلى ما خطه الدكتور يوسف القرضاوي في موضوع " فوائد البنوك هي الربا الحرام"، ومن ثم فإن وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية المغربي يقصد بـ"الإحراج" الأسئلة التي ترد من بسطاء الناس على الفقهاء في البرامج الدينية التلفزيونية والإذاعية،والتي يغلب في الأجوبة عنها التنفير أو التحريم،وكذا الانفصام بين الفهم الفقهي الجامد وبين واقع المسلمين في حياتهم ضمن العيش في العالم الراهن.

تجدر الإشارة إلى أن هناك من الفقهاء من رأى أن فهم الوزير التوفيق لمسألة الربا متأثر بالفتوى التي قدمها للحكومة الباكستانية العالم المعروف فضل الرحمن؛ وهو أستاذ متضلع في الفقه، وشديد التدين.

وجاء في فتواه "إن الحل ليس هو منع فوائد البنوك تحت الضغط الشعبوي الذي يغذيه فقه مهترىء ملوث بالسياسة، بل الحل يكمن في تنمية الاقتصاد حتى تضعف الفجوة بين العرض والطلب".

ويرى فضل الرحمن أن مسألة المعاملات البنكية بفوائد في هذا العصر، أي عصر الائتمان والتضخم والتعاقد وأنواع الاستثمار،نظام لا علاقة له بسياق النهي القرآني عن الربا وأن هذا النهي هو عند طائفة من العلماء مرتبط بالفوائد الفاحشة.

وثمة قناعة لدى كثيرين تابعوا درس الوزير التوفيق بأن ما قاله ليس ابتكارا من عنده؛ ولكنه رأي الكثيرين من المنتسبين للعلماء والمفتين،بيد أنهم لا يستطيعون إظهاره خوفا من أمثال هذه الحملات الاسلاموية التي تعرض لها الوزير ،بل وخوفا من الإرهاب أيضا.

ويسود اعتقاد أن الإسلامويين حتى لو اعتكفوا في جزيرة منزوية عن العالم ، وأعادوا النظر بشأن التعامل بالذهب والفضة، فإنهم لن يستطيعوا ضمان نظام مالي بلا قروض تترتب عليها فوائد، بينما يحق للناس جميعا، لا الإسلامويين فقط،استنكار نظام الفوائد الفاحشة،ونظام الاستغلال المالي والاقتصادي في آلآلاف من الأمور الأخرى غير فوائد البنوك؛ ولكن الناس مع الاستنكار مطالبون باقتراح الحلول الممكنة.

في السياق ذاته، تبقى هناك نقطة أساسية لا بد من الاشارة اليها هي أن موضوع "الربا" حتى لو طاله التوسع ليشمل كل الفوائد،ليس موضوعا تعبديا في الدين بل هو موضوع يتعلق بمصالح الناس وبما ينبغي أن يسود فيها من عدل.

ويرى المتنورون في شؤون الدين أن من استسهلوا الحملة على الوزير التوفيق لا يُستبعد منهم، إذا تمكنوا من الناس غدا، أن يفرضوا العودة إلى بيع الرقيق؛ لأن نوعا من الفقه قد كرسه، ولأن المصالح التي خدمها هذا الفقه تجاهلت ما جاء في القرآن وفي السنة من الحث بوجوه عديدة على تحرير الناس من العبودية.إلى جانب أنه لا يستبعد منهم إذا تمكنوا من الناس أن يضعوا في نصوص القوانين ضرب الأزواج للزوجات؛ لأن ذلك مذكور في القرآن متجاهلين بذلك روح الكتاب في هذا الموضوع، وهي المودة والرحمة التي ينبغي أن تتخذ أساسا للتشريع ضد العنف ولاسيما ضد النساء.

وعزت مصادر متطابقة لـ"إيلاف" خلفيات الحملة على الوزير التاوفيق إلى كونها ليست من الغيرة على الدين في شيء مشيرة إلى أن درس الوزير، ومع ما سبقه من دروس في نفس الاتجاه البناء، لا يُثير تعليق المشاركين في الحملة، كما لو أنهم - وكما يقال - هم من الذهول في البحث عن الدبيبة الصغيرة بحيث لا يستطيعون أن يروا الجمل وهو واقف أمامهم.

وخلصت المصادر ذاتها إلى القول إن المفارقة النظرية الكبرى بين المتحاملين وبين الوزير التوفيق تكمن في الفرق بين سياسة وهمية لا تعترف بالتاريخ وبين فكرة ترى أن التاريخ هو زمن تجلي الله تعالى في هذا الكون؛وهو ما يستحق أن تقرأ في ضوئه نصوص رسائل الدين وهديه.

واذا كان ما ذكره الوزير التوفيق عن الربا وفوائد القروض المصرفية رأيا واجتهادا شخصيا، فانه يبقى بلا شك شجاعة منه لجهة إثارة قضايا التجديد الديني المطلوبة في سياق تطور المجتمع ،ذلك أنه استطاع بجرأة أن يرمي حجرا في بركة التجديد الديني الراكدة.