"من يتصور أن طفلة مرتدية البامبرز ممكن يحدث معها هذا؟.. هذا ليس بني آدم، هذا وحش مفترس"، هكذا عبرت مريم، والدة الرضيعة السودانية جانيت جمعة، عن مشاعرها تجاه الشاب المصري الذي تتهمه الأسرة بخطف ابنتهم والاعتداء عليها جنسيا ثم قتلها.
في شقة بالطابق الأخير بمبنى مكون من 15 طابقا بمنطقة "عزبة الهجانة"، المتاخمة لحي مدينة نصر شرقي القاهرة، التقت بي بي سي أسرة الطفلة السودانية جانيت، التي لم يتجاوز عمرها عشرة أشهر.
جلس الأب جمعة والأم مريم وسط عشرات النساء السودانيات اللاتي جئن لتعزيتهما وردد الجميع ترانيم مسيحية.
تحمل مريم ابنتها أميرة، شاهدة الواقعة ذات الخمسة أعوام، بينما تحكي ما حدث وتقول إنها كانت تأخذ قيلولة في شقتها يوم الواقعة بينما تركت طفلتها الرضيعة مع أطفال آخرين لدى قريبة لهم في الطابق السفلي.
وتتابع أنهم فجأة اكتشفوا أن "الرضيعة اختفت وأن باب شقة قريبتهم كان مفتوحا على غير العادة".
تضيف مريم: "ابنتي أميرة كانت ساكتة ومرعوبة ولم تقل شيئا، ولكن بعد عناء قالت إنها رأت شابا مصريا يأخذ الرضيعة من على باب شقة قريبتهم وينزل على السلم وأن الرضيعة صرخت، ولكن أميرة كانت خائفة فلم تخبر أحدا".
اشتباكات السودان: مصاعب الحصول على وضع "لاجئ" تؤرق سودانيين فارين إلى مصر
الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
"تُركنا أنا وأمي الميتة في الصحراء" خلال رحلة هروبنا إلى مصر
اشتباكات السودان: مصر تواجه معضلة في التعامل مع الصراع في البلد المجاور
يلتقط الأب جمعة أطراف الحديث قائلا: "بدأنا البحث في المبنى كله وطرقنا الأبواب على جميع السكان وجميعهم فتحوا لنا وفتشنا ولم نجد الرضيعة لديهم، إلا شقة واحدة في الطابق الثالث عشر لم يفتح لنا ساكنها".
ويتابع أنه ذهب لقسم الشرطة للإبلاغ ولكنهم أخبروه بضرورة مرور 24 ساعة قبل إمكانية تحرير محضر وفقا للقانون المصري.
وأكد أنه عاد من قسم الشرطة ورفض الانتظار وبدأ في البحث في العقارات المجاورة والشوارع حتى وجد جثمان جانيت في مقلب للقمامة بإحدى الحدائق في منطقة خلفية للعقار المقيم به.
وأضاف الأب جمعة: "احتضنت ابنتي وأنا أبكي ولكنها كانت ميتة، وعليها آثار اعتداء جنسي، المجرم اغتصبها وقتلها خنقا ثم حملها في شنطة وألقاها بالقمامة".
تحقيقات
وتباشر النيابة العامة المصرية تحقيقاتها في الواقعة التي أثارت حالة من الصدمة والغضب في المجتمع المصري وبين أوساط السودانيين، وأعادت للأذهان جريمة مروعة مماثلة ارتكبت في عام 2017 بحق رضيعة مصرية في محافظة الدقهلية، شمالي القاهرة، وكانت معروفة إعلاميا باسم "طفلة البامبرز"، حيث تم القبض على المتهم وتقديمه للمحاكمة ونال حكما "عاجلا" بالإعدام ونُفذ الحكم.
النيابة العامة المصرية لم تصدر أي بيان رسمي عن التحقيقات في واقعة الطفلة السودانية جانيت، رغم مرور خمسة أيام على بدء التحقيق، وإن كانت وسائل إعلام محلية أفادت نقلا عن مصادر قضائية بأنها قررت حبس المتهم أربعة أيام على ذمة القضية.
وأكد أحمد حجاج، محامي أسرة الضحية السودانية لبي بي سي، أن المتهم يقطن بنفس البناية التي تعيش بها أسرة الطفلة السودانية، وقد أقر بارتكابه جرائم الخطف والاعتداء والقتل أثناء التحقيقات التي حضر المحامي جانبا منها.
ملايين اللاجئين والمهاجرين بمصر
يؤكد جمعة وزوجته مريم أنهما وأسرتهما ليسوا لاجئين وإنما يقيمون في مصر بشكل قانوني، وقد وصلوا لقاهرة قبل اندلاع الحرب الأخيرة في السودان العام الماضي، ولكن المنطقة التي يقيمون بها تعج باللاجئين السودانيين الفارين من الحرب.
وفي الوقت الذي أكدا أن النيابة العامة استمعت لأقوالهما وأن ابنتهما أميرة تعرفت على المتهم في التحقيقات، فقد شددا على أنهما وغيرهما من السودانيين يتعرضون لمضايقات في الشارع خاصة التنمر على لون البشرة، مشيرين إلى "حدوث عدة جرائم ضد سودانيين دون إمكانية التوصل إلى مرتكبيها ومعاقبتهم".
ولم تتمكن بي بي سي من التحقق من تلك الادعاءات بشكل منفصل.
وتتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية بالتقاعس عن حماية اللاجئات وطالبات اللجوء المستضعفات من العنف الجنسي، بما يشمل التقاعس عن التحقيق في الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
فيما تصف السلطات المصرية تقارير هيومن رايتس ووتش بأنها مسيسة ومبنية على مصادر مجهلة ومعلومات غير دقيقة.
وتستضيف مصر نحو تسعة ملايين مهاجر ولاجئ من بينهم نحو أربعة ملايين سوداني، بحسب أحدث تقديرات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
جريمة عابرة للجنسيات
"هذه وإن كانت جريمة نادرة فهي مفزعة وبشعة وحزينة ومهددة للمجتمع ككل سواء حدثت ضد طفلة مصرية أو سودانية، والظروف التي سمحت بحدوثها ضد سودانية غدا تسمح بحدوثها ضد مصرية، فهي جريمة لا تميز بين جنسية وغيرها"، هكذا قال لبي بي سي نور خليل، مؤسس منصة اللاجئين في مصر.
وكانت منصة اللاجئين في مصر – وهي مبادرة حقوقية معنية بحقوق اللاجئين – قالت الأحد في بيان، إن أجهزة الأمن كثفت البحث عن المتهم، من خلال مشاهدة تفريغات كاميرات المراقبة في محيط المنطقة حيث اختفت الضحية وعثر على جثتها لاحقًا، ليتم التعرف على المتهم بارتكاب الجريمة.
وطالبت المنصة بالعمل على ضمان محاكمة عادلة للضحية وإجراءات حماية لعائلتها، في ظل تصاعد جرائم العنف الجنسي المبنية على العنصرية، وفق وصف البيان.
وأكد خليل على أن هذه الجريمة تعطي عدة رسائل وتسلط الضوء على المطالبات بقانون لحماية الأطفال والنساء بمصر وخاصة فيما يتعلق بالعنف الجنسي.
وأضاف: "هناك أكثر من 120 جريمة اعتداء جنسي ضد الأطفال في مصر تم رصدها خلال الشهور الماضية، والسبب يكمن في إشكاليات اجتماعية على الدولة حلها، وجزء منها مرتبط بالتشريعات والقوانين وعدم توفير الحماية للأطفال خاصة من العنف الجنسي في نطاق الأسرة".
وشدد على أن تلك الواقعة كذلك تشير إلى ما يتعرض له اللاجئون وخاصة من جنسيات أفريقية من ظروف غير عادية مرتبطة بإشكالية صعوبة التقاضي بالنسبة للاجئين فيما يتعرضون له من جرائم سواء جنسية أو غيرها، "فهم فئة مستضعفة لأسباب كثيرة أهمها غياب الأوراق والوضع القانوني الذي يمكنهم من الحصول على حقوقهم بسهولة".
واعتبر خليل أن هذا يشجع الجناة لرؤيتهم أن اللاجئين أو الأجانب وخصوصا من جنسيات أفريقية هم فئات لا حقوق لها، وأن من يرتكب جرائم بحقهم يفلت من العقاب بسهولة.
ولكن في الوقت نفسه أكد خليل أن هناك الكثير من القضايا التي حققت فيها الشرطة وانتصرت لحق اللاجئين أو الأجانب وأشهرها في مايو/ أيار 2021 حينما تم اختطاف أطفال من جنوب السودان في مصر والاعتداء عليهم ونُشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، فتحركت السلطات وألقت القبض على الجناة وعاقبتهم، ولكن "الشكل العام أمام المجتمع أن الأجانب ملوني البشرة خصوصا، فئة مستضعفة وسهل الاعتداء عليهم والإفلات من العقاب".
التعليقات