عندما اقتادت الشرطة عمران خان من قاعة المحكمة إلى السجن بتهم الفساد قبل عام، كان رد الفعل شيئا لم تشهده باكستان من قبل.
فقد خرج أنصاره الغاضبون إلى شوارع مختلف مدن البلاد، واستهدفوا البنايات التابعة للمؤسسة العسكرية، المعروفة بسلطتها القوية.
ويقول حسن، الذي ذهب بدراجته إلى السوق المركزي في لاهور، حيث تجمع أنصار حزب عمران خان في حركة الإنصاف: "عندما اعتقل أصبنا بالصدمة. كنا نبكي ولا نعرف ما سنفعل".
وأضرم المحتجون النار في مقر إقامة أحد كبار ضباط الجيش.
وفي شوارع إسلام آباد، حيث اعتقل عمران خان، كان المحتجون يقتلعون إشارات المرور، ويضرمون النيران في كل مكان، ويرمون الحجارة حيث تعرضت العديد من المعالم العسكرية للتخريب.
وسارعت المؤسسة العسكرية، التي لها تأثير كبير على الحكومة، إلى وصف يوم التاسع من أيار (مايو) 2023 بأنه "يوم أسود"، والاحتجاجات بأنها "هجوم على الجيش".
مر عام على تلك الأحداث، ولا يزال الكثيرون من أنصار نجم الكريكت السابق، متأثرين نفسيا وجسديا بما حدث في ذلك اليوم.
وكان حسن من بين المئات الذين تعرضوا للاعتقال بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات. وقال الكثير منهم لخدمة الأوردو في بي بي سي ، إنهم تظاهروا "بطريقة سلمية"، ولم يشاركوا في العنف، ومع ذلك احتجزوا دون محاكمة، وتعرضوا لسوء المعاملة في الاحتجاز.
وقال حسن إنه شارك في الاحتجاجات لأنه "شعر أن ما حدث لعمران خان خطأ"، مضيفاً: "قلنا للشرطة يومها لقد تجاوزتم الخط الأحمر".
ويذكر أبرار، وهو أيضا من أنصار عمران خان، أنه خرج من بيته في لاهور "مباشرة" بعدما شاهد صور اعتقال خان، في أيار (مايو) الماضي، لأنه شعر أنه لا ينبغي أن يتعرض زعيمه "للإهانة بتلك الطريقة".
ويعد خان أيقونة الكريكت في بلاد تحظى فيها هذه الرياضة بمكانة كبيرة. وحقق المجد لبلاده، عندما قاد منتخبها الوطني إلى الفوز بكأس العالم في 1992. والكثير من الباكستانيين نشأوا خلال جيله.
ولكن منتقدي خان يعتقدون أنه استفاد من دعم الجيش عندما وصل إلى السلطة. وهذه مزاعم ينفيها الطرفان، لكن يمارس الجيش نفوذا كبيرا في السياسة الباكستانية، منذ تأسيس البلاد. ما يعني أنه يؤدي أدوارا من خلف الستار.
وانتخب خان رئيسا للوزراء في يوليو/تموز 2018، ولكنه أُبعد عن السلطة في تصويت بحجب الثقة داخل البرلمان، بعد أربعة أعوام. وقبيل الانتخابات العامة، في فبراير/شباط، أدين في العديد من القضايا الجنائية التي تمنعه من الترشح.
ويواجه خان العديد من القضايا في المحاكم، بتهم الفساد والإرهاب. ولكنه لا يزال قوة سياسية تنقسم حوله آراء الباكستانيين.
واضطر حزبه، في انتخابات فبراير/شباط، إلى الدفع بمرشحين مستقلين، كوّنوا في النهاية، أكبر تكتل في البرلمان، ولكنهم لم يحصلوا على الأغلبية التي تسمح لهم بتشكيل الحكومة.
وأسفرت احتجاجات التاسع من مايو/أيار عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، وإصابة المئات بجروح. وقالت السلطات إن الخسائر المادية بلغت قيمتها تسعة ملايين دولار.
وكانت عمليات القمع قاسية على المحتجين حينها، إذ تحدث المحتجزون منهم عن تعرضهم لسوء المعاملة.
وقال أبرار: "في السجن كان نشعر أحيانا كأننا في مقبرة. كأننا نقرأ الفاتحة على موتانا في قبورهم. وربما كان أهلنا يقرأون الفاتحة علينا عندما كانوا يزوروننا".
وأفرج عن أبرار هذا العام بعد قضاء تسعة أشهر في السجن.
وأضاف: "ابنتي تبكي فلا أستطيع مسح دموعها".
وقال محتج آخر لخدمة الأوردو في بي بي سي: "المسؤولون في السجن كانوا يعاملوننا كأننا أرهابيون".
وأضاف: "قلت لهم كل ما فعلته هو الاحتجاج، ولم أخرب".
وسلم المحتج نفسه للشرطة بعدما لاحقوا عائلته، واقتحموا البيت بحثا عنه.
وأوضح: "لا أعتقد أننا نستطيع أن نصف ما حدث لنا ولعائلاتنا".
وقال وزير الداخلية السابق، رانا صنع الله، إن أحداث مايو/أيار 2023 لا تختلف عن احتجاجات حركة الإنصاف السابقة.
وأضاف أن "الأجواء افتعلها زعيم الحركة ليثبت أنها أقوى من الدولة"، مستدركاً: "كيف لأحد أن يقول إذا اعتقلت فإن ذلك تجاوز للخط الأحمر؟ هذ أمر شبيه بالتمرد".
وبعد مرور عام على الأحداث، يرى المراقبون أن باكستان لا يمكن أن تتجاوز هذا الأمر إلا إذا نظرت في مظالم المحتجين.
وتقول الصحفية، بينظير شاه، التي كتبت عن الاحداث: "أعتقد أن الدولة تصرفت بغضب مع الأحداث، كأنها كانت تنتقم من المحتجين بدل التحقيق فيها".
وحضت بينظير السلطات على فتح تحقيق وتحديد مسؤوليات كل فرد.
وتوضح: "لن نتمكن من الانتقال إلى أمور أخرى ما لم نفعل ذلك. حتى نجيب عن الإسئلة التي لم تجد إجابة منذ العام الماضي. وإذا بقيت الدولة صامتة، فإننا لن نتمكن من التقدم، ولن نتمكن من الحديث عن المستقبل".
ولكن الجيش مُصر على معاقبة المسؤولين عن الاحتجاجات.
وقال المتحدث باسم الجيش، الجنرال أحمد شريف، في مؤتمر صحفي: "التفاوض لا يكون مع مجموعة من العبثيين"، مشيرا إلى حركة الإنصاف.
وأضاف المتحدث باسم الجيش: "السبيل الوحيد للتقدم، هو أن تعتذر هذه المجموعة العبثية من الأمة. وتلتزم بترك سياسة الكراهية والمشاركة في السياسة البناءة".
التعليقات