"نعيش بقلق ورعب دائمين"، تقول عليا.
"في كل ليلة عندما يعود ابني إلى المنزل يحضنه شقيقه الأصغر بشغف" بعد أن يطمئن بأنه لم يتم توقيفه.
تعيش عليا مع ثلاثة من أولادها في لبنان بعدما فرت إليه من إدلب في شمالي سوريا رفقة عائلتها في بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2011.
منذ ذلك الوقت تغيّر الوضع كثيرا وتحوّل لبنان من ملاذ من الحرب إلى بلد ترتفع فيه معدلات معاداة الاجئين السوريين بوتيرة متصاعدة من قبل السلطات والمجتمع معا.
ورغم عدم وجود إحصاءات وأرقام دقيقة، إلا أنه عدد السوريين في لبنان يقدّر بنحو مليون ونصف مليون سوري، ما يجعل لبنان البلد المضيف لأكبر نسبة من اللاجئين في العالم مقاربة بعدد سكانه.
ولا يُعد الشعور المعادي للاجئين بالأمر الجديد في لبنان الذي يقوم على توازنات طائفية حساسة للغاية، إلا أن الممارسات ضد السوريين والإجراءات التي تضيّق عليهم زادت كثيرا في الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد انفجار الأزمة الاقتصادية الحادة عام 2019.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن تسعة من أصل عشرة سوريين في لبنان يعانون من فقر مدقع.
وقد وصل التوتر إلى مستويات خطيرة في شهر نيسان/ أبريل الماضي عندما قامت عصابة، معظم أفرادها من السوريين، بخطف وقتل مسؤول محلي في حزب "القوات اللبنانية" المسيحي. يومها تعرّض سوريون للضرب والإهانة في الشارع.
حتى ما قبل تلك الحادثة، كانت مناطق عدة تشهد ممارسات من قبل سلطات محلية ومجموعات أهلية تستهدف سوريين يقيمون في البلاد بشكل غير شرعي، كإجبارهم على إخلاء منازل أو مجمعات يقيمون فيها، أو ترك عملهم أو حتى الضغط على لبنانيين لعدم تأجير منازلهم لهم.
"قدّم لبنان أكثر بكثير من قدرته في موضوع اللاجئين، بحُكم الجيرة"، يقول محافظ الشمال رمزي نهرا الذي يُشرف على إخلاء سوريين لا يملكون أوراقا شرعية من مجمعات يقيمون فيها.
"يمكن أن تستضيف جارك ليوم أو يومين، ولكن ليس طول العمر".
ينفي نهرا أن تكون الإجراءات المتخذة عنصرية، مشيرا إلى أن كل ما يفعله لبنان هو تطبيق القانون.
"هل يُسمح لأي كان بالبقاء في بلد ما يوما واحدا إضافيا بعد انتهاء مدة التأشيرة الممنوحة له؟ كل الإجراءات المتخذة تطال السوريين الموجودين بشكل غير شرعي. أما من أوراقه صحيحة من بينهم فأهلا وسهلا به".
- "لا حيلة ولا قوة لنا": اللاجئون السوريون في الأردن ولبنان و"العودة الآمنة"
- ماذا وراء عودة موضوع اللاجئين السوريين إلى الواجهة بقوة في لبنان؟
وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن نحو 80٪ من السوريين في لبنان لا يملكون إقامات شرعية. وهذا الوضع مستمر منذ سنوات إما بسبب عدم تمكن جزء منهم من تلبية الشروط الكاملة للحصول على التأشيرة، أو لعدم قدرتهم على دفع الكلفة المطلوبة.
وتعني هذه الوضعية غير الشرعية أن أي سوري موجود في البلاد بشكل غير شرعي معرّض للتوقيف أو الترحيل في أي لحظة.
وقد انسحب الموقف من اللاجئين السوريين في لبنان على الموقف من المفوضية العليا للأمم المتحدة التي يرى جزء من اللبنانيين أنها تشجع اللاجئين على البقاء في لبنان من خلال المساعدات التي تقدمها لهم. مع العلم بأن هذه المساعدات هي المصدر الوحيد لعدد كبير من العائلات السورية لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية.
تروي عليا أنها باتت تشعر بالخجل كلما ذهبت إلى السوق أو مشت على الطريق، "بسبب ما أسمعه من تعليقات من نوع: "أنظروا إلى السوري يعيش أفضل منّا. هو يشتري ويأكل ونحن نموت من الجوع. لقد أخذ رزقنا".
ثم تضيف: "لو يدرون أي حياة نعيش".
في هذا الجو المحتقن، زارت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فان دير لاين لبنان في الثاني من الشهر الحالي وقدمت حزمة مساعدات مالية بقيمة مليار يورو إلى الحكومة.
وقد اعتبر كثيرون في لبنان أن هذه الحزمة من المساعدات هي بمثابة الرشوة للحكومة من أجل منع السوريين من الإبحار بشكل غير شرعي إلى أوروبا.
وقد رافق فاندر لاين في زيارتها الرئيس القبرصي الذي تعاني بلاده من زيادة كبيرة في عدد المهاجرين غير الشرعيين من لبنان إليها.
بعد أيام من زيارة المسؤولة الأوروبية، أصدر البرلمان اللبناني توصية إلى الحكومة تحثها على أخد كل الإجراءات الضرورية لإنهاء حالة الوجود السوري غير الشرعي في البلاد في غضون عام.
كان ذلك المرة الأولى التي تُجمع فيه مختلف الأطراف السياسية على موقف واحد في هذا الموضوع.
وينطلق الموقف اللبناني الرسمي من أن لبنان ليس دولة موقعة على اتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن اللاجئين. كما أن لبنان يعتبر أن مناطق عدة في سوريا لم تعد تشهد قتالا، وبالتالي باتت آمنة لعودة اللاجئين إليها. في هذا الإطار، يطالب لبنان الأمم المتحدة بأن تقدم مساعداتها لمن يعودون إلى سوريا كتحفيز لهم للعودة إلى بلادهم، بدلا من إعطائهم تلك المساعدات في لبنان.
وقد انتشرت مؤخرا لوحات إعلانية في مناطق مختلفة من البلاد تدعو الأمم المتحدة إلى إلغاء ما تسمّيه الحملة "ضرر" اللاجئين السوريين.
يصرّ الشخص الذي يقف وراء تلك الحملة على أنها مبادرة فردية منه لشعوره بأنه "لا بدّ من فعل شيء ما" أمام وضع يرى بعضهم في لبنان بأنه يشكل "خطرا وجوديا" على البلاد.
إلا أنه بصرف النظر عمن يدعم هذه المبادرة، فهي تحاكي خطابا بات شائعا في البلاد.
من جانبها، قالت مفوضية الأمم المتحدة في بيان لبي بي سي : "إنه لا توجد أي مؤامرة دولية لإبقاء اللاجئين السوريين في البلاد وليس من أجندة مخفية بشأن ذلك. لطالما كان موقفنا شفافا: الأمم المتحدة، ومن ضمنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لا تعيق عودة اللاجئين إلى سوريا".
لكن ذلك لا يخفف من حدة التوتر الاجتماعي ضد اللاجئين السوريين، وهو ما يزيد من الأسباب التي تدفع كثيرا من بينهم لمحاولة اللجوء بأي طريقة إلى أوروبا.
فقبل نحو عام، كانت عليا وأولادها من بين خمسة وثلاثين شخصا على متن قارب منطلق نحو قبرص. كان ذلك أملها الوحيد لتجتمع مجددا بزوجها وبابنها البكر الذين قاما بالرحلة نفسها قبل نحو العام.
وصل قارب عليا إلى قبرص لكنّ خفر السواحل هناك أجبروه على العودة إلى لبنان.
ورغم مخاطر تلك الرحلة، تقول عليا إنها لم تخف ولو للحظة من القرار، لاقتناعها بأن ليس من مستقبل لأولاها في لبنان.
"ما الذي كان يمكن أن يحصل؟" تقول. "كان من الممكن أن نموت؟ أنا ميتة، ميتة. سواء هنا أو في البحر".
التعليقات