قُتل ما لا يقل عن 45 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، في غارة جوية إسرائيلية على مخيم للنازحين الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة في 26 مايو/أيار، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

وقال الفلسطينيون إن المنطقة المستهدفة كانت "منطقة آمنة" حددها الجيش الإسرائيلي.

ونفى الجيش الإسرائيلي إصابة الغارة "المنطقة الآمنة"، وقال إنه استهدف اثنين من كبار قادة حماس في منطقة تل السلطان في رفح.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقتل المدنيين بأنه "حادث مأساوي"، وسط إدانة دولية متزايدة للهجوم.

ووفقاً لمنظمة كادوس، وهي منظمة إنسانية وإغاثة مقرها ألمانيا تعمل في غزة، كانت هناك أكثر من غارة على رفح في 26 مايو/أيار.

وأفادت التقارير أن إحدى الغارات أصابت مخيمًا النازحين، حيث أشارت بعض المصادر الفلسطينية إلى أنه يقع داخل "منطقة إنسانية" أعلن عنها الجيش الإسرائيلي سابقًا.

بي بي سي نيوز عربي حللت لقطات الفيديو والصور وغيرها من الأدلة، بما في ذلك روايات شهود العيان للتحقق من وقائع الهجوم على المخيم.

حريق في المخيم

بدأت مقاطع فيديو في التداول على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر غارة للجيش الإسرائيلي على مخيم للنازحين في شمال غرب رفح لأول مرة على الإنترنت في حوالي الساعة 22:00 بالتوقيت المحلي.

وأظهرت لقطات أولية حرائق كبيرة في مخيم النازحين، فيما امتلأت الأجواء بصافرات الإنذار والصراخ.

وتضمنت مقاطع فيديو مصورة أيضًا أشخاصًا ينتشلون جثثًا متفحمة وعلى الأقل جثة مقطوعة الرأس.

وتكشف مقاطع فيديو أن المخيم يحمل اسم "مخيم السلام الكويتي 1".

وتؤكد صفحات التواصل الاجتماعي أن المخيم المذكور يقع شمال مركز لوجستي بالقرب من الأونروا في تل السلطان برفح.

يشير الصوت الذي تم سماعه في مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لآثار الانفجار أيضًا إلى "الخيام الموجودة خلف" مبنى الأونروا.

ووفق صور الأقمار الصناعية، تفصل المسافة بين الموقعين حوالي 200 متر.

الغارة الإسرائيلية

وتم تداول مقطع فيديو قصير على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر لحظة وقوع الغارة على المخيم.

يمكن سماع صوت صفير قذيفة قادمة، يليه انفجار وحريق ضخم على مسافة بجانب هتاف رجل في الخلفية، وهو يصرخ: "البركسات" – وهو مصطلح محلي لمباني الأونروا.

الفيديو الليلي مظلم جدًا بحيث لا يمكن تحديد الموقع الدقيق للمنطقة التي تم ضربها.

وفي بيان صدر في الليلة نفسها، قال رئيس الإعلام الحكومي في غزة الذي تديره حركة حماس، إن المخيم تعرض لضربة مباشرة، واصفا الهجوم بـ”المذبحة".

وقال الهلال الأحمر الفلسطيني أيضا إن خيام النازحين كانت هدفا للضربة الإسرائيلية.

وقال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي إنهم نفذوا غارة بـ ”ذخائر دقيقة” وقتلوا اثنين من كبار قادة حماس، وأضافوا أنهم يحققون في مقتل مدنيين في المنطقة.

وفي رده، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة قال إنها توضح موقع الغارة التي استهدفت كبارعناصر لحماس.

موقع الغارة الذي أشار إليها الجيش في الخريطة يقع في مكان آخر جنوب المخيم المتضرر.

"منطقة آمنة"؟

ونشأ جدل حول تصنيف المنطقة التي يقع فيها مخيم النازحين المتضرر.

ويصر الفلسطينيون والعديد من وكالات الإغاثة الدولية على أن المنطقة المتضررة قد حددت على أنها "منطقة آمنة" من قبل الجيش الإسرائيلي. وهو أمر تنفيه القوات الإسرائيلية.

وتبدو "المنطقة الآمنة" التي يتحدث عنها الفلسطينيون هي "المنطقة الإنسانية" التي حددها الجيش الإسرائيلي في جنوب غزة سابقا.

وتمتد "المنطقة الإنسانية" شمالاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من المواصي - وهو شريط ضيق من الأراضي الزراعية - إلى مدينة خان يونس ومدينة دير البلح.

وقام الجيش الإسرائيلي بشكل دوري بتوجيه المدنيين إلى هذه المنطقة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي أوائل مايو/أيار، أصدر الجيش تعليماته لسكان شرق رفح بالانتقال إلى "المنطقة الإنسانية" قبل بدء عمليته البرية في المنطقة.

ويستخدم الجيش الإسرائيلي خريطة لغزة يتم فيها تقسيم المنطقة إلى كتل مرقمة كجزء من تحذيرات الإخلاء والإعلان عن "المنطقة الإنسانية".

وكرر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي في منشور على موقع إكس في 22 مايو/أيار خبر توسيع ما يسمى بالمنطقة الإنسانية "لتشمل" مناطق في جنوب خان يونس، بما في ذلك المربعات رقم 2360 و2371 و2373.

لقد حددنا الموقع الجغرافي لموقع الخيام المتضررة في المربع 2372، الذي يقع بالقرب لكن خارج "المنطقة الإنسانية" التي أعلنها الجيش الإسرائيلي.

'تعليمات غير واضحة'

ويقول الفلسطينيون الذين تحدثوا إلى بي بي سي نيوز عربي إنهم كانوا يعتقدون أن المنطقة المتضررة صنفت ضمن "المناطق الآمنة".

يقول أحد النازحين، جمال العطار، لبي بي سي: "أخبرنا الاحتلال أن هذه المنطقة آمنة وأنه يمكننا البقاء هنا لأنها منطقة آمنة".

ويضيف: "لا توجد منطقة آمنة هنا في قطاع غزة. تم استهداف المكان الذي أقمنا فيه. قتلوا أطفالنا وأحرقوا نسائنا وشيوخنا داخل ما يسمى بالمنطقة الآمنة".

وكان حوالي 1.5 مليون شخص قد لجأوا إلى رفح قبل 6 مايو/أيار، عندما بدأت إسرائيل ما وصقته بالعمليات البرية المحددة في المناطق الشرقية من المدينة.

كشف تحليل بي بي سي مؤخرا أن الإعلانات السابقة لمناطق الإخلاء و"المنطقة الإنسانية" التي أصدرها الجيش الإسرائيلي كانت مليئة بالعديد من الأخطاء.

ونفى الجيش أن التحذيرات كانت مربكة أو متناقضة.

إلا أن الخريطة المتحركة المصاحبة لإعلان الجيش الإسرائيلي في 22 مايو/أيار على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر المخيم المتضرر كجزء من "المنطقة الإنسانية الموسعة".

وهذا يتناقض مع النص الذي صاحب الخريطة، في ذات المنشور.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية لمنطقة المخيم أنها مكتظة بخيام النازحين.

كما شهدت المناطق الشرقية لرفح حركة نزوح بعد تعليمات الجيش الإسرائيلي للإخلاء.

وقال عدنان أبو حسنة، المسؤول الإعلامي في الأونروا، لبي بي سي نيوز عربي إن موقع الهجوم كان قريبا من مخازن الأونروا، مضيفا أن الناس يشعرون بالأمان بالقرب من المواقع التي تعمل فيها الأمم المتحدة.

ولم يصدر الجيش الإسرائيلي تعليمات لإخلاء مخازن الآونروا والمناطق المحيطة.

وفي رد لبي بي سي نيوز عربي، قال جيش الإسرائيلي إنه قتل اثنين من كبار مسؤولي حماس، وأنه يراجع التقارير التي تفيد بتعرض مدنيين للأذى.

وأضاف: "يأسف الجيش الإسرائيلي على أي ضرر يلحق بالمدنيين غير المشاركين في القتال"

وقبل ساعات من الهجوم الإسرائيلي، أطلقت حماس ثمانية صواريخ من رفح باتجاه تل أبيب - وهي أول هجمات بعيدة المدى على المدينة الواقعة بوسط إسرائيل منذ يناير/كانون الثاني.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 800 ألف شخص فروا استجابة لأوامر من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء إلى "المنطقة الإنسانية الموسعة.