بيت لحم: على سرير المستشفى، بدا معزّز عبيات نحيلا جدا بشعره الطويل الأشعث ولحيته السوداء وعينيه الغائرتين... لكنه كان يتحدّث من دون توقّف عن اعتقاله في سجن النقب الإسرائيلي الذي وصفه بأنه "غوانتانامو".
وقال لمجموعة من الصحافيين "الحمد لله أنه أحياني بعد أن أماتني... أنا عدت من الموت".
وأضاف "كان الاعتقال صعبا جدا، جدا. هناك صورة لي قبل الاعتقال وصورة لي بعد الاعتقال... هاتان الصورتان كافيتان لشرح ما حصل لي. كنت مفتول العضلات وعدت هكذا".
وتسبّب ظهور عبيات بعد الإفراج عنه في التاسع من تموز (يوليو) من سجن النقب حيث أمضى تسعة أشهر، بصدمة. كان يتكىء على شخص آخر وغير قادر على المشي بشكل مستقيم، وبدت يده اليمنى متيبسة كأنها مصابة بشلل.
في المستشفى، طلب عبيات من ممرّض أن يساعده على النزول من سريره والوقوف على ميزان في الغرفة ليظهر أن وزنه 54 كيلوغراما.
وقال والده خليل عبيات "معزز هذا ليس ابني الذي كان قبل الاعتقال. كان رجلا يصل وزنه الى مئة، 110 كلغ.. اليوم، منظره منظر إنسان ميت، ما عدا الروح".
ثم أضاف بحزن بالغ وقد بدت عليه علامات عدم التصديق، "ابني لم يعد يعرفني. إنه مصاب بحالة من التشوّش والارتباك ووضعه الصحي تحت الصفر".
لكنه أشار الى أن الأطباء يقولون إنه "سيعود الى طبيعته في الأيام المقبلة، وخصوصا انه بدأ بتناول الطعام".
"نسي أمورا كثيرة"
في المستشفى في بيت لحم، كان معزز عبيات يصل الجمل بعضها ببعض وينتقل من موضوع الى آخر بانفعال. وقال في حديثه إنه فعلا "نسي أمورا كثيرا"، مكرّرا أكثر من مرة "الذاكرة، الذاكرة...".
ثم قال "اعتقالي كان ظالما ومجحفا. ضرب مبرح بالهراوات والسلاسل الحديدية، عذاب"، مضيفا "خرجت من سجن غوانتانامو النقب، سجن يمارس أبشع وأشد أنواع العذاب على وجه الأرض في حقّ أسرى عزّل مقيدين ومرضى".
ثم كشف عن بطنه ليدلّ على أثر إصابة قال إن سببها تعرّضه لضرب خلال فترة اعتقال سابقة. وأكد أن الحرّاس كانوا يستهدفون هذه الإصابة بالضرب.
وتابع "من يفعل هذا؟ لماذا استهداف بطني؟".
ثم كشف عن ساقيه مشيرا الى أنه يشعر بالوجع في كل مكان.
كما تحدّث عن سوء معاملة لجهة تقديم الطعام في السجن. "كانوا يعطوننا من عشر الى 12 حبة فاصوليا مع قطع من الملفوف ونبقى عليها من السابعة صباحا حتى وقت العشاء".
وردّا على سؤال لوكالة فرانس برس، قالت سلطات السجون الإسرائيلية إنها "ليست على علم" بحصول أي من هذه الممارسات.
وقالت "كل السجناء موقوفون بموجب القانون، وهناك حرّاس متخصصون يحترمون كل الحقوق الأساسية".
وأشارت الى أن "ملف السجين يؤكد أنه خضع لفحص طبي وعولج على أيدي أفضل أطباء السجن طوال فترة اعتقاله"، مضيفا أن السجناء يمكنهم التقدم بشكاوى إذا أرادوا.
"سجن كبير"
اعتقل معزز عبيات (37 عاما) الذي يعمل قصّابا في 26 تشرين الأول (أكتوبر) بعد أكثر من أسبوعين على اندلاع الحرب في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس. وأحيل على الاعتقال الاداري "بدون تقديم لائحة اتهام ضده"، وفق ما يقول والده.
وقال عبيات من جهته "اقتادوني من بيتي، ليس من جبهة قتال، بل من بيتي، من بين أطفالي وزوجتي الحامل".
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، يبلغ عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية حاليا نحو 9700، مئات منهم موقوفون إداريا، أي من دون توجيه تهم اليهم.
وتقول منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن عمليات الاعتقال التي تنفذها السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ارتفعت كثيرا منذ هجوم حركة حماس غير المسبوق داخل اسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والذي تسبّب بمقتل 1195 شخصا، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام إسرائيلية رسمية.
وتردّ إسرائيل منذ ذلك الحين بهجوم مدمّر على قطاع غزة تسبّب بمقتل 38345 شخصا، معظمهم مدنيون، وفق معطيات وزارة الصحة في قطاع غزة.
وازدادت وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة منذ بدء الحرب، وكذلك المواجهات بين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين. وتقول إسرائيل إنها تلاحق "إرهابيين" ومنفذي هجمات ضد إسرائيل. وقتل 572 فلسطينيا على الأقل على أيدي الجيش أو مستوطنين منذ بدء الحرب.
من سرير المستشفى، قال معزز عبيات، وهو والد لثلاث بنات وصبيين بينهم طفل ولد بينما كان في الاعتقال، "لقد خرجت من سجن صغير الى سجن كبير"، معربا عن أسفه لعدم تحرك العالم ضد "الاحتلال".
التعليقات