أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه سيبدأ الأسبوع المقبل بتجنيد أفراد من اليهود المتشددين دينياً "الحريديم" للخدمة في صفوفه.
وتثير هذه القضية حساسية على نحو خاص وسط الحرب مع حركة حماس في قطاع غزة والمواجهات المرتبطة بها على جبهات أخرى، والتي تسببت في خسائر هي الأسوأ في صفوف الإسرائيليين منذ عقود.
وكان المدعي العام الإسرائيلي قد دعا الجيش، قبل أسابيع، إلى بدء تجنيد ثلاثة آلاف طالب من الحريديم "في أقرب وقت"، في أول تصريح "إجرائي" بعد قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية، يقضي بعدم تمديد إعفائهم.
ويحرم الحكم القضائي المدارس التي لا تلتزم بالمسودة القضائية من الدعم الحكومي.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت أمرا، في نهاية مارس/ آذار الماضي، بتجميد أموال المدارس الدينية اليهودية، والذي اعتبر "إطاراً قانونياً" لوقف إعفاء طلبتها (الحريديم) من الانضمام للخدمة العسكرية.
وكان الكنيست الإسرائيلي، قبل قرار المحكمة، قد أيد مشروعاً يمدد إعفاء اليهود المتدينين "الحريديم" من الخدمة العسكرية.
وأثارت مسألة التجنيد الإلزامي انقساماً كبيراً بين مؤيد ورافض لتمديد إعفاء الشبان المتدينين، وهو ما ظهر جلياً في أروقة الكنسيت، حيث صوّت 52.5% لصالح المشروع (63 صوتاً من أصل 120 عضواً)، في حين عارضه 57 عضواً.
وتتهم أحزاب المعارضة نتنياهو بأنه يسعى لإدامة الإعفاء، "في الوقت الذي يقاتل فيه الجيش الإسرائيلي في غزة وشمال إسرائيل".
ويتجنب الشبان الحريديم أداء الخدمة العسكرية من خلال الالتحاق بالمدارس الدينية لدراسة التوراة، ومن ثم الحصول على تأجيلات متكررة للخدمة لمدة عام واحد حتى وصولهم إلى سن الإعفاء من التجنيد.
وفشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 2017 في التوصل إلى صيغة توافقية حول قضية تجنيد المتدينين.
- يهود الحريديم يجمعون بين التكنولوجيا والتوراة
- مم يتكون الجيش الإسرائيلي وما هي الأقليات التي تخدم فيه؟
"الحكومة تُشجّع التهرب من الخدمة في الجيش لإطالة عمرها السياسي"
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، وهو الوزير الوحيد من بين أعضاء حكومة نتنياهو الذي صوت ضد مشروع القانون، في منشور عبر موقع "إكس"، إن "إقرار السياسات على المستوى الوطني لا بد أن يكون بتوافق واسع النطاق، وليس على حساب مقاتلي الجيش الإسرائيلي".
وكان غالانت قد شدد سابقاً على أن وزارته لن تدفع نحو سن قانون للتجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي، دون موافقة جميع مكونات حكومة الطوارئ، التي تضم أحزاباً أخرى إلى جانب معسكر اليمين بزعامة نتنياهو، في إشارة إلى حزب "المعسكر الوطني" برئاسة بيني غانتس.
وفي تعقيب على التصويت، قالت كتلة "المعسكر الوطني" التي يترأسها الوزير بيني غانتس، الذي استقال من مجلس الحرب، إن نتنياهو وحكومته قد عادوا إلى الوضع الذي سبق السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي قبل الهجوم الذي شنته حركة حماس، في إشارة إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إسرائيل، ضدّ مساعي نتنياهو وحكومته لإضعاف السلطة القضائية، كما تزعم المعارضة.
من جانبه، علق رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان على تصويت الائتلاف الحكومي على القانون.
وقال ليبرمان: "في جوف الليل، بينما يقاتل خيرة أبنائنا وبناتنا في ساحة المعركة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية خطوة أخرى نحو قانون التهرب من الخدمة العسكرية، الذي يشكل ضررا خطيرا لجنود الجيش الإسرائيلي وجنود الاحتياط، ويتعارض مع احتياجات الجهاز الأمني، وكل ذلك من أجل البقاء السياسي".
أما زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي هاجم الأحزاب الدينية، فقال إن "هذه ليست التوراة" في إشارة إلى زعيم الأحزاب الدينية وأضاف أن موقف هذه الأحزاب "مجرد سياسة تافهة وبائسة".
واتهم لابيد الحكومة بأنها تشجع التهرب من الخدمة في الجيش لإطالة عمرها السياسي.
"سنُغادر إسرائيل إذا جُنِّدنا"
خلال الأسابيع الماضية حذَّر كبير الحاخامات السفارديم، يتسحاق يوسف، من أنَّ اليهود الأرثوذكس المتشددين سيغادرون إسرائيل بشكل جماعي إذا ألغت الحكومة إعفاءهم من التجنيد الإلزامي.
مهدداً بأنه "إذا أجبرنا على الانخراط في الجيش، سنغادر جميعاً إسرائيل".
ووفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل فإنَّ يوسف هو نجل الزعيم الروحي لحزب شاس، عوفاديا يوسف، ويتمتع بنفوذ كبير في الحزب الذي يُشكِّل جزءاً من ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ووصف الحاخام "رافضي فكرة الإعفاء" بالعلمانيين الذين "لا يفهمون أنَّ الجيش لن ينجح دون الكليات والمدارس الدينية وتعلّم التوراة".
وأفادت إحدى مديريات الجيش الإسرائيلي أمام الكنيست مطلع العام الحالي، بأنَّ نحو 66 ألف شاب من المجتمع الحريدي المتشدد حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال العام الماضي.
ورفض زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد تصريحات الحاخام يوسف، وقال "إنَّ الحريديم سيواجهون صعوبة في التكيف مع الحياة خارج إسرائيل" مؤكداً أهمية انضمام 66 ألف شاب حريدي إلى الجيش وقدرته في حماية أمن إسرائيل.
وأضاف أن تصريحات يوسف "عار وإهانة لجنود الجيش الإسرائيلي الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن إسرائيل".
بينما شنَّ، لاحقاً، هجوماً كبيراً على الحكومة بعد إصرارها على طرح مشروع قانون يعفي طلبة الحريديم من التجنيد، ووصفه بأنه "قانون التهرّب"، وقال إنّ مشروع القانون "وجه لأفظع حكومة في تاريخ البلاد، تميزت بالكذب والتهرب من المسؤولية والتمييز بين الدم والدم".
وقال إنَّ "الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الجنود بعد ستة أشهر من حرب مؤلمة، والحكومة تقدّم إعفاء من التجنيد لعشرات الآلاف من الشبان".
وانضم بيني غانتس إلى لابيد في انتقاداته اللاذعة لكلمات يوسف، إذ قال غانتس إن كلمات الحاخام يوسف هي "إهانة أخلاقية للدولة والمجتمع الإسرائيلي"، بينما هدّد بأن حزبه "المعسكر الوطني" سينسحب من الحكومة في حال المصادقة على قانون التجنيد.
"من 400 حريدي مُعفى إلى 66 ألفاً" من هم الحريديم؟
في يناير/ كانون الثاني 1951، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غوريون، إلى رئيس الأركان آنذاك ييغال ييدين، معلناً عن قرار بإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية.
وأشار إلى أن هذا الإعفاء ينطبق فقط على الطلاب الذين يدرسون التوراة، وكان الهدف من هذا الإعفاء إعطاء فرصة لـ 400 طالب مدرسة دينية للتفرغ لدراساتهم الدينية.
واستند بن غوريون على المادة 12 من قانون الخدمة العسكرية 1948، والتي تتيح لوزير الدفاع إعفاء أي شخص في سن الخدمة العسكرية لأسباب التعليم أو الاستيطان أو الاقتصاد الوطني أو لأسباب عائلية.
ويشير المعهد الإسرائيلي الديمقراطي إلى أنه وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي تقييد عدد المؤهلين للإعفاء من الخدمة ليصل إلى 800 طالب سنوياً، إلا أن حكومة مناحيم بيغن رفعت، في عام 1977، بعضاً من تلك القيود.
بحلول عام 1996، ارتفعت نسبة الإعفاء الممنوحة لليهود الحريديم من الخدمة العسكرية إلى نحو 7.4 في المئة من الفئة العمرية بكاملها لمن هم في سن 18 عاماً.
ووفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن هذه الزيادة أثارت معركة سياسية وقضائية نتج عنها قرار محكمة في عام 1998 نص على أن وزارة الدفاع لا تملك الصلاحية في إعفاء من قد تضخمت أعدادهم إلى عشرات الآلاف من الطلاب، على أساس كل حالة على حدة، من دون أن يرتكز هذا الإجراء على قانون.
في عام 2002، مرر الكنيست "قانون طال"، الذي يعفي طلاب المعاهد الدينية الحريديم من الخدمة العسكرية لكنه يفرض شروطاً صارمة تلزمهم بالمشاركة في الدراسة لعدة سنوات وتمنعهم من دخول سوق العمل خلال هذه الفترة.
في عام 2006، أبقت المحكمة العليا على القانون المثير للجدل، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنه يضر بمبدأ المساواة لجميع الإسرائيليين من خلال السماح بشروط إعفاء سهلة من الخدمة العسكرية لفئة مجتمعية معينة دوناً عن الفئات الأخرى.
في عام 2009 أصدرت المحكمة العليا قراراً نص على أن القانون غير دستوري على أساس أنه لا يبدو قابلا للإنفاذ، حيث إنه لا يؤدي عملياً إلى زيادة في نسبة تجنيد الحريديم في الجيش.
لكن المحكمة سمحت على الرغم من ذلك بالإبقاء على القانون إلى حين انتهاء صلاحيته في عام 2012.
وقد ناقشت المحكمة، بعد انتهاء سريان الإعفاء، التماسات بفرض التجنيد بالقوة على جميع الشبان الحريديم، لكن انتخابات 2013 أسفرت عن تشكيل حكومة تضم حزب "يش عتيد"، الذي تعّهد خلال حملته الانتخابية بإجراء إصلاح جذري على إطار تجنيد اليهود الحريديم في الجيش.
في أوائل عام 2014، بعد مفاوضات طويلة في الكنيست قادها نواب من "يش عتيد" وحزب "البيت اليهودي"، قام الكنيست بتعديل قانون "الخدمة في قوى الأمن" لزيادة العبء على الشباب الحريدي لإثبات أنهم متفرغون تماماً للدراسة في المعاهد الدينية، وإلزام المجتمع الحريدي ككل بزيادة نسبة المجندين في صفوفه للخدمة العسكرية.
- إسرائيل "مهددة" بخسارة استراتيجية في غزة، ونتنياهو يواجه "مأزقاً لا فكاك منه" – صحف
- من هم المستوطنون الذين قد يُمنعون من دخول بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية؟
في عام 2017 أصدرت المحكمة العليا قراراً أكدت فيه أن الإعفاءات من الخدمة العسكرية لطلاب الحريديم تعتبر تمييزاً وغير دستورية وأمرت الدولة بإيجاد حل لهذه المسألة. ومنذ ذلك الحين، واصل الكنيست تمديد الإعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية.
لماذا كلّ هذا الجدل؟
في عام 2022 بلغ عدد أفراد الحريديم حوالي 1,280,000 نسمة، أي ما يعادل 13.3 في المئة من إجمالي سكان إسرائيل، وفقاً للمعهد الإسرائيلي الديمقراطي، وبحلول عام 2050 سيكون ما يقرب من ربع سكان إسرائيل من اليهود الأصوليين.
في حين سعى التحالف المدعوم من الحريديم لتشريع قانون جديد يمدد الإعفاء، أصبحت هذه المسألة مثيرة للجدل بشكل متزايد، نظراً للحرب في غزة واستدعاء قوات الاحتياط.
وفقاً لإحصائيات المعهد، فإن معدل نمو اليهود الأرثوذكس المتشددين "الحريديم" في إسرائيل هو الأعلى بين جميع السكان، والعوامل الكامنة وراء هذا النمو السريع بشكل خاص هي معدلات الخصوبة المرتفعة، ومستويات المعيشة والطب الحديث، ومتوسط عمر الزواج عند الشباب.
ونتيجة لذلك، فإنّ السكان الأرثوذكس المتشددين في إسرائيل هم من الفئة الشابّة، إذ إن حوالي 60 في المئة منهم تحت سن 20 عاماً، مقارنة بـ 31 في المئة من إجمالي السكان.
ووفقاً لتوقعات المكتب المركزي للإحصاء، فمن المتوقع أن تصل كثافتهم نسبة للسكان إلى 16 في المئة خلال عام 2030، وأن يصل عددهم إلى مليوني نسمة في عام 2033.
ما رأي الإسرائيليين بإعفاء الحريديم؟
أظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، أن معظم الإسرائيليين يعارضون إعفاء الرجال اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية.
وبين الاستطلاع الذي نشر في سبتمبر/ أيلول الماضي أن 68 في المئة من الجمهور العام يعارضون منح إعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية.
ووجد الاستطلاع أيضاً أن نحو ثلث الآباء الذين لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً قالوا إنهم لا يشجعون أطفالهم على الانضمام إلى الوحدات القتالية.
وفي الوقت نفسه، قال 25 في المئة من المستطلَعين إنهم يؤيدون مشروع القانون الذي يمنح إعفاء للحريديم من الانضمام إلى الجيش، وقال 7 في المئة إنهم ليس لديهم موقف مؤكد من المسألة.
وفي إسرائيل، معظم الرجال اليهود مُلزَمون بالخدمة العسكرية لمدة ثلاث سنوات تقريباً، تليها سنوات من الخدمة الاحتياطية، فيما تخدم النساء اليهوديات لمدة عامين.
التعليقات