تفاجأ عبد الرحيم حميد الذي يعمل مزارعا في منطقة أبو حمد أقصى شمالي السودان بهطول أمطار في منطقته في شهر أغسطس/آب الحالي.

وقال لبي بي سي إن الأمطار لا تسقط أبدا في مثل هذا الوقت وهو أمر مستغرب ولم يحدث منذ عقود.

ويقول عبد الرحيم إن سقوط الأمطار أعقبتها سيول جارفة وعنيفة دمرت كل شيء "السيول كانت جارفة ودمرت كل شيء.. بعض الناس فقدوا حياتهم.. أنا تهدم منزلي بالكامل.. كما غمرت المياه مزرعتي ودمرت المحصول بالكامل".

وأضاف "نحن الآن في العراء تماما، ولا نملك ما يسد جوعنا ونخشى أن تهطل الأمطار علينا مرة أخرى".

منطقة أبوحمد لم تكن وحدها التي شهدت هطول أمطار غير متوقعة، فقد هطلت أمطار وسيول في مناطق واسعة في ولايات كسلا ونهر النيل والبحر الأحمر بما فيها مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.

وطبقا لهيئة الأرصاد الجوية السودانية فإن معدلات الأمطار والسيول فوق المعدلات الطبيعية ومصحوبة بأتربة وعواصف رعدية.

وتوقعت الهيئة هطول مزيد من الأمطار خلال الفترة المقبلة، وحذرت من إمكانية حدوث فيضانات كبيرة في النيل الأزرق ونهر القاش بعد هطول أمطار غزيرة على الهضبة الاثيوبية.

" خسائر كبيرة"

الأمطار والسيول التي ضربت مناطق واسعة في السودان خلال الأسبوعين الماضيين أدت إلى قتل نحو 68 شخصا على الأقل وإصابة العشرات.

وقال وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين إن معظم الوفيات نتجت جراء الإصابات.

وكشف عن تدمير 4 آلاف منزل بشكل كامل و8 آلاف منزل بشكل جزئي و تدمير 40 من المرافق العامة وتضرر 168 ألف فدان من الأراضي الزراعية.

وكان لمنطقة أبو حمد نصيب الأسد من هذه الخسائر.

فقد قالت وزارة الصحة السودانية إن 25 شخصا على الأقل لقوا مصرعهم وأصيب العشرات في هذه المنطقة.

وتضررت مئات المنازل ما بين الدمار الكلي والجزئي، وتلف الكثير من الأراضي الزراعية، ونفق عدد كبير من البهائم.

لجأ المئات من العائلات إلى مناطق مختلفة في الولاية الشمالية بعد فرارهم من مناطقهم في أعقاب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

في الأثناء، تزداد المخاوف من حدوث كارثة بيئية وتفشي الأمراض بعد أن جرفت السيول مخلفات عمليات تعدين الذهب في منطقة أبو حمد.

وتعتبر منطقة أبو حمد الواقعة في الأجزاء الشمالية من الولاية الشمالية من أكبر مناطق تعدين الذهب التقليدي في البلاد.

ويستخدم مَن يشتغلون بالتعدين مواد سامة لاستخلاص الذهب مثل الزئبق.

وحذرت منظمات محلية ونشطاء بيئيون من مغبة انتشار الأمراض في ظل استمرار هطول الأمطار والسيول وتجريف التربة.

ويقول الأستاذ الجامعي والخبير في مجال البيئة والاستدامة د. الفاتح عوض إن المشكلة ناجمة عن استخدام مادة السينايد في التنقيب عما تبقى من الذهب خلال عمليات التعدين والذي يسمي بــ (الكرتة) والذي يتم بيعه لشركات تعدين صغيرة أو مُعدّنين آخرين، والذين يقومون بنقله بالقرب من المناطق السكنية.

وأضاف قائلا "تبدأ رحلة التلوث بنقل هذه (الكرتة) إلى مناطق قريبة من المساكن والمناطق الحيوية مثل المنازل والأسواق والمزارع والمجاري ومصادر المياه.. ثم تدخل السلسلة الغذائية وتسبب ضررا صحيا للإنسان. معروفٌ أن السيانيد والزئبق مواد لها أضرارها الصحية والبيئية على النبات والحيوان ومن ثم الإنسان.

وأشار إلى أن هنالك شواهد عدة تؤكد حدوث تجريف للتربة في أبوحمد بسبب الأمطار "الأمطار تلعب دورا كبيرا في نقل مخلفات التعدين من سيانيد وزئبق من مواقعها إلى الأماكن الحيوية لتدخل عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان، وهو ما حدث الآن في مدينة أبو حمد التي تلوثت باختلاط مخلفات التعدين بمياه الأمطار".

حذرت منظمات محلية ونشطاء بيئيون من مغبة انتشار الأمراض في ظل استمرار هطول الأمطار والسيول وتجريف التربة
Reuters
حذرت منظمات محلية ونشطاء بيئيون من مغبة انتشار الأمراض في ظل استمرار هطول الأمطار والسيول وتجريف التربة

"تفاقم أوضاع النازحين"

لجأ الكثير من النازحين إلى مدينة كسلا هربا من جحيم الحرب في مناطق القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع مثل الخرطوم ومدني وسنار وسنجة، وظلوا يعيشون في معسكرات إيواء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 260 ألف شخص نزحوا إلى ولاية كسلا خلال الشهر الماضي ومعظمهم قدموا من مدينتي سنجة وسنار بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع.

لكن معاناتهم زادت بعد هطول الأمطار الغزيرة خلال الأسبوع الماضي.

فقد غمرت المياه الخيام التي كانت تؤويهم في مراكز الايواء.

وأطلقت السلطات المحلية في كسلا وغيرها من المناطق المنكوبة نداءات للمجتمع الدولي من أجل تقديم المساعدات العاجلة والضرورية.

ويقول عبد الرحيم من أبو حمد إنهم لم يتلقوا أي إعانات من جهات داخلية أو خارجية "زارنا رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان في المنطقة الأسبوع الماضي، وقدم تعازيه ومواساته ووعد بتقديم المساعدات لنا، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، ونحن ما زلنا بانتظار تنفيذ هذه الوعود".