في ذكرى ميلاده الـ122، يُستذكر آية الله الخميني، الرجل الذي قاد الثورة الإيرانية وحول إيران إلى جمهورية إسلامية تتبع مبادئ ولاية الفقيه، تاركًا تأثيرًا عميقًا لا يزال حاضرًا في السياسة الإيرانية حتى اليوم.


في 24 أيلول (سبتمبر) يمر 122 عاما على مولد آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، وتقول دائرة المعارف البريطانية إن آية الله روح الله الموسوي الخميني وُلد في 24 أيلول (سبتمبر) من عام 1902 في خمين بإيران وتوفي في 3 حزيران (يونيو) من عام 1989 في العاصمة الإيرانية طهران.

وكان الخميني رجل دين شيعي، وقاد الثورة التي أطاحت بمحمد رضا شاه بهلوي في عام 1979، ليكون بعدها على رأس السلطة السياسية والدينية العليا في إيران على مدى السنوات العشر التالية.

الحياة المبكرة والنشاط الديني

كان الخميني حفيداً وابناً لملا (زعيم دين شيعي) إذ كان والده آية الله مصطفى الموسوي شخصية دينية معروفة في منطقته، وعندما كان عمر الخميني حوالي خمسة أشهر، قُتل والده بأمر من أحد مالكي الأراضي المحليين.

ونشأ الخميني الصغير على يد والدته وخالته، ثم بعد وفاتهما، نشأ على يد شقيقه الأكبر مرتضى (المعروف لاحقًا باسم آية الله باسانديدة)، وتلقى تعليمه في مدارس إسلامية مختلفة. وقد أظهر الخميني اهتماماً مبكراً بالتعليم الديني، فدرس في الحوزات العلمية في إيران حيث أبدى تفوقاً في دراسة الفقه الإسلامي والفلسفة والتصوف.

وفي حوالى عام 1922 استقر في مدينة قم التي تعد مركز الدراسات الشيعية في إيران حيث واصل دراسته تحت إشراف كبار العلماء، ومن بينهم آية الله عبد الكريم الحائري، وأصبح الخميني عالماً بارزاً هناك في ثلاثينيات القرن العشرين وبات معروفاً باسم مسقط رأسه خمين.

وفي الخمسينيات من القرن العشرين، نال الرتبة الدينية آية الله، وبحلول أوائل الستينيات حصل على لقب آية الله العظمى، وبالتالي أصبح أحد أبرز الزعماء الدينيين في إيران.

الخميني
Getty Images

الثورة البيضاء والنفي

في منتصف القرن العشرين، كان نظام الشاه محمد رضا بهلوي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، حيث كان يُنظر إليه على أنه حليف استراتيجي للغرب في مواجهة النفوذ السوفيتي في المنطقة.

وقد شهدت تلك الفترة معارضة متزايدة للنظام الملكي داخل إيران، خاصة بين الفئات الدينية والشعبية، الذين رأوا أن الشاه يدفع البلاد نحو التغريب على حساب القيم الإسلامية.

ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي، علق الشاه عمل البرلمان وأطلق برنامج تحديث عُرف باسم الثورة البيضاء، والتي تضمنت تحرير المرأة، وتقليص التعليم الديني، وقانون الإصلاح الزراعي الشعبوي الذي أزعج الطبقة الأرستقراطية.

وأدى تنفيذ هذه السياسات بشكل خاص إلى تقليص نفوذ الطبقة الدينية القوية، كما أثرت أيضا على الحياة والمجتمع الإيراني على نطاق واسع، فقد أضرت بالاقتصادات الريفية، وأدت إلى التحضر السريع والتغريب، وقلبت المعايير والقيم الاجتماعية التقليدية، وأثارت المخاوف بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي، وحدت المعارضة للحكومة رجال الدين المحافظين واليسار العلماني وغيرهم من الذين وجدوا أرضية مشتركة تحت راية الهوية الشيعية.

في هذا السياق، برز الخميني كواحد من أبرز المنتقدين لنظام الشاه، وبدأ بنقد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للشاه، وخاصة إصلاحات الأراضي التي اعتبرها تقويضاً للقيم الإسلامية وحقوق العلماء.

وقد أكسبته معارضته الصريحة لحاكم إيران، الشاه محمد رضا بهلوي، وإداناته للتأثيرات الغربية، ودفاعه الدؤوب عن "النقاء الإسلامي" شعبية كبيرة في إيران.

وألهم الخميني أعمال شغب مناهضة للحكومة، والتي سُجن بسببها في عام 1963. وبعد عام من السجن، نُفي من إيران في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1964.

وقد نُفي في البداية إلى تركيا ثم استقر في النهاية في مدينة النجف، وهي النظير الفكري في العراق لمدينة قم الإيرانية، واستقر فيها مدة 14 عاما، وهناك بدأ في صياغة ونشر نظرياته حول الإسلام .

وقد أنتج الخميني العديد من الكتابات حول الفلسفة الإسلامية والقانون والأخلاق مثل كتابه الشهير "تحرير الوسيلة" الذي يعد من الكتب الرئيسية في الفقه الشيعي.

وكان الخميني من أشد المؤيدين لولاية الفقيه التي أرست أسس الجمهورية الإسلامية في إيران، ونجح في تكوين قاعدة كبيرة من الأتباع أثناء وجوده في المنفى، وأنشأ شبكة قوية ومؤثرة مكنته من لعب دور قيادي في الإطاحة بالشاه.

زعيم الجمهورية الإسلامية

استقبال حافل للخميني في طهران لدى عودته من المنفى في باريس
استقبال حافل للخميني في طهران لدى عودته من المنفى في باريس

منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، نما نفوذ الخميني داخل إيران بشكل كبير، وذلك بسبب تزايد الاستياء العام من نظام الشاه، وأجبر حاكم العراق، صدام حسين، الخميني على مغادرة العراق في 6 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1978.

استقر الخميني بعد ذلك في نوفل لو شاتو، إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ومن هناك نقل أنصاره رسائله المسجلة إلى عامة الناس في إيران.

وقد أجبرت المظاهرات الحاشدة والإضرابات المدنية في أواخر عام 1978 الشاه على الرحيل عن إيران في 16 كانون الثاني (يناير) من عام 1979.

ووصل الخميني إلى طهران في 1 شباط (فبراير) من عام 1979، إذ تم استقباله باعتباره الزعيم الديني للثورة الإيرانية، وأعلن تشكيل حكومة جديدة بعد أربعة أيام، وفي 11 شباط (فبراير) أعلن الجيش الإيراني حياده.

عاد الخميني إلى قم بينما كانت الطبقة الدينية تعمل على ترسيخ سلطتها، وأظهر استفتاء وطني في نيسان (أبريل) دعماً ساحقاً لتأسيس جمهورية إسلامية، وتمت الموافقة على دستور الجمهورية الإسلامية في استفتاء أُجري في كانون الأول (ديسمبر)، وتم تسمية الخميني زعيماً سياسياً ودينياً لإيران مدى الحياة.

لقد أثبت الخميني نفسه بأنه لا يتزعزع في تصميمه على تحويل إيران إلى دولة إسلامية يحكمها رجال الدين، فقد تولى رجال الدين الشيعة في إيران صياغة السياسة الحكومية، بينما كان الخميني يتخذ القرارات النهائية بشأن المسائل المهمة التي تتطلب سلطته الشخصية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في البداية انتقم نظامه سياسياً، حيث ورد أن مئات الأشخاص الذين عملوا لصالح نظام الشاه أعدموا، ثم قمع المعارضة المحلية المتبقية، وسُجن أعضاؤها أو قُتلوا بشكل منهجي، وأُلزمت النساء الإيرانيات بارتداء الحجاب، وحُظِرت الموسيقى الغربية والكحول، وأُعيد فرض العقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.


تحديات عهد الخميني
لم يكن تأثير الخميني محدوداً داخل إيران، بل امتد ليشمل المنطقة والعالم بأسره، فقد قادت إيران تحت زعامة الخميني سياسة خارجية معادية للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التي أُطلق عليها لقب "الشيطان الأكبر".

ومن أبرز الأحداث التي أثرت على العلاقات الإيرانية - الأمريكية كان حادثة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، حيث تم احتجاز 52 أميركياً لمدة 444 يوماً، ما أدى إلى توتر كبير بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، حاولت إيران تصدير نسختها من "الصحوة الإسلامية" إلى البلدان الإسلامية المجاورة، وخاصة بين السكان الشيعة.

وكان أحد أبرز التحديات التي واجهت الخميني، الحرب الإيرانية العراقية التي اندلعت في عام 1980 واستمرت حتى عام 1988، وكانت هذه الحرب طويلة ومدمرة، وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من الإيرانيين والعراقيين.

وعلى الرغم من الخسائر البشرية والمادية الهائلة، فقد رفض الخميني قبول حل سلمي للحرب وأصر على إطالة أمدها على أمل الإطاحة بالرئيس العراقي حينها صدام حسين، وفي النهاية وافق الخميني على وقف إطلاق النار في عام 1988، الأمر الذي أنهى الحرب فعلياً.

كما تعثر مسار التنمية الاقتصادية في إيران تحت حكم الخميني في تلك الفترة، وأخفق في سعيه إلى تحقيق النصر في الحرب الإيرانية العراقية، ومع ذلك، تمكن الخميني من الاحتفاظ بالحكم في إيران.

الوفاة

مقبرة الخميني المُذهبة في طهران
مقبرة الخميني ذات القبة المُذهبة في طهران

كان الخميني الزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية، وشغل هذا المنصب حتى وفاته في عام 1989، وبفضل رؤيته، تم تشكيل نظام سياسي جديد يعتمد على مزيج من الحكم الديني والسياسي، حيث يُمنح الفقهاء دوراً رئيسياً في توجيه سياسة الدولة.

وتوفي آية الله الخميني في 3 حزيران (يونيو) من عام 1989، عن عمر يناهز 86 عاماً، وخلفه آية الله علي خامنئي كقائد أعلى للجمهورية الإسلامية.
ورغم وفاته، لا يزال تأثير الخميني حاضراً في السياسة الإيرانية والعالم الإسلامي، إذ تمكن من تحويل إيران من دولة ملكية ذات توجه غربي إلى جمهورية إسلامية تعتمد على مبادئ دينية، وتأثيره لا يزال ملموساً في السياسة الإيرانية، حيث لا تزال الجمهورية الإسلامية تستند إلى نظرية ولاية الفقيه التي وضعها.
وقد أصبح قبره ذو القبة المُذهبة في مقبرة بهشت الزهراء بطهران مزاراً لأنصاره.