قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأميركية، تعيش البلاد حالة من الترقب، وسط تساوٍ بين ترامب وهاريس في استطلاعات الرأي. أزمات سياسية وعواصف طبيعية قد تكون العامل الحاسم في السباق نحو البيت الأبيض. فكيف سيؤثر التصعيد في الشرق الأوسط وإعصار هيلين على خيارات الناخبين؟
ولا يزال السباق إلى البيت الأبيض متعادلاً بين الطرفين، سواء على مستوى البلاد بأكملها أو داخل كل ولاية، فالفوز سيكون بفارق ضئيل، وعليه فإن أي صوت له أهميته الكبيرة، وكل ناخب يستميله أحد الطرفين يمكن أن يساعد في توجيه الضربة القاضية للطرف الآخر.
ويقول ديفيد غرينبرغ، المتخصص في تاريخ الانتخابات بجامعة روتغرز، إن "فارقاً بنطقة واحد أو نقطتين، قد يكون حاسماً في السباق الرئاسي، الذي يشهد منافسة بهذه القوة".
وبينما يسعى خبراء الحملة الانتخابية إلى تحقيق ذلك الفارق، فإن خطأ بسيطاً يرتكبونه في فعالية واحدة، قد يقلب الأمور رأساً على عقب، ويغير الموازين في الأسابيع الأخيرة.
وقد وحدثت خلال العام العديد من التقلبات السياسية الصادمة، إذ نجا أحد المرشحين من محاولتي اغتيال، وأدين بارتكاب جريمة، أما المرشح السابق جو بايدن، فقد اضطر إلى الانسحاب من السباق، تاركاً المجال لنائبته، التي تصغره سناً بكثير.
ولكن عندما تأتي المفاجآت في أكتوبر/تشرين الأول، لا يكون للمرشح ما يكفي من الوقت لاسترجاع طاقته بعد أي هفوة أو تعثر، ونتذكر مثالا على ذلك، عندما حصل ترامب على الرسائل الإلكترونية التي بعثت بها هيلاري كلينتون في 2016.
وقد وقعت خلال هذا الأسبوع العديد من الشجارات، قد تتحول إلى عواصف سياسية يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني.
الخلاف السياسي بشأن هيلين
والعاصفة السياسية المحتملة الأولى، هي عاصفة حقيقية، إذ اجتاح إعصار هيلين، الأسبوع الماضي، مقاطعتين انتخابيتين أساسيتين، هما جيورجيا وكارولينا الشمالية، وقد أصبح الإعصار قضية سياسية حازت على تركيز الحملة الانتخابية على الولايتين، والكارثة الإنسانية التي بلغ عدد ضحاياها 200 شخص حتى الآن.
وتعهدت هاريس بمساعدة طويلة الأمد للمنطقة، عندما زارت جيورجيا مطلع هذا الأسبوع، والتقت السبت بالمنكوبين من الإعصار في كارولينا الشمالية.
وقالت في جيورجيا: "نحن هنا على المدى الطويل".
ولكن ترامب يسعى للفوز في كلا الولايتين، أما استطلاعات الرأي فتظهر المرشحين بحظوظ متساوية، وفي زيارته لجيورجيا، زعم الرئيس السابق أن الأمريكيين لا يجدون أموال المساعدة في حالات الطوارئ، لأنها أنفقت على المهاجرين.
والحقيقة أن أموال المساعدات في حالة الطوارئ منفصلة عن ميزانية الإنفاق على المهاجرين. واتهمت إدارة بايدن الجمهوريين بنشر "الأكاذيب" بشأن تمويل التكفل بالمتضررين من الكوارث الطبيعية.
فعندما تحدث الكوارث، ليس من السهل على الحكومة أن ترضي الجميع. وإذا نجحت انتقادات ترامب في إقناع الناس فإن أي ناخب متذمر من جهود الإغاثة يمكنه أن يؤثر في نتيجة الانتخابات، في الولايتين الأكثر متابعة في البلاد.
التصعيد في الشرق الأوسط
وبعيداً عن الكارثة الطبيعية في الجنوب الشرقي الأمريكي بآلاف الكيلومترات، توجد أزمة تسبب فيها الإنسان، وتواصل حشر نفسها في السياسة الأمريكية، فالحرب في غزة تنذر بتفجير نزاع إقليمي شامل، بعد أن توغلت القوات الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية لقتال حزب الله.
وأطلقت إيران مئات الصواريخ على إسرائيل مطلع هذا الأسبوع.
وبينما تقدم هاريس نفسها على أنها مرشحة التغيير، فإنها لم تنأ بنفسها عن الإدارة الحالية فيما يتعلق بالسياسيات الأمريكية الإسرائيلية، التي لها مخاطرها.
وتبخرت كل الآمال في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة قبل الانتخابات، إلا أن البيت الأبيض يسعى حاليا إلى ضمان ألا يتحول الرد الإسرائيلي الحتمي على الهجمات الإيرانية الثلاثاء، إلى حرب شاملة.
ولم يكن حديث بايدن يوم الخميس الماضي مطمئنا، إذ قال: "لا أعتقد أن حربا شاملة ستندلع. أعتقد أنه بإمكاننا تجنب ذلك. ولكن أمامنا الكثير من العمل".
والحرب لها تداعيتها المحلية أيضا على الديمقراطيين، على الرغم من أن الأمريكيين لا يفكرون مباشرة في السياسة الخارجية عندما يدلون بأصواتهم.
ويسبب التزام هاريس بمواصلة تزويد إسرائيل بالأسلحة مشكلة للمرشحة الرئاسية مع وجود مكونين اثنين بين الناخبين الديمقراطين، هما العرب الأمريكيون في ولاية ميشيغان التي تسعى للفوز فيها، والناخبين الشباب في الجامعات، حيث يُحتمل أن تعود الاحتجاجات المناهضة للحرب إلى نشاطها.
كما أثار النزاع في الشرق الأوسط مخاوف مالية في العالم، فقد تسببت إشارة بايدن إلى إمكانية أن تضرب إسرائيل المصافي الإيرانية في ارتفاع أسعار النفط بنسبة تزيد عن خمسة بالمئة، وأكثر ما يشغل بال المستهلك الأمريكي هو ارتفاع سعر الوقود.
مفاجأت سارة للديمقراطيين
وتظهر استطلاعات الرأي أن الاقتصاد لا يزال أهم موضوع بالنسبة للناخب الأمريكي، وتلقت هاريس والديمقراطيون الجمعة الماضي بشرى سارة في هذا الشأن، بعد أن أشارت إحصائيات التوظيف إلى نمو في الوظائف الجديدة خلال الأشهر القليلة الأخيرة، وهبوط نسبة البطالة إلى 4.1 بالمئة.
ولكن غرينبرغ يرى أن اهتمامات الناخبين بالاقتصاد لا تقتصر على إحصائيات البطالة، ويوضح أنه "عندما يشتكي الناس من الاقتصاد، فهم في الواقع يشتكون من الإخفاق على المدى الطويل في بعض أنحاء البلاد، مثل المناطق الريفية، التي انقرضت فيها الصناعة، هذه هي مناطق البلاد المتضررة حتى في الأوضاع الاقتصادية الجيدة".
وفي أغلب فترات الحملة الانتخابية، حقق ترامب نتائج أفضل من هاريس فيما يتعلق بمن يعتقد الناخبون أنه الأقدر على تحسين الاقتصاد، بما في ذلك استطلاع أخير أجرته سي إن إن.
ولكن هناك مؤشرات تدل على أن تقدمه ليس مضمونا، مثل تقرير كوك السياسي، الذي أظهر المرشحين الاثنين متساويين فيما يخص القدرة على التعامل مع التضخم.
وقد زال خطر اقتصادي داهم على الديمقراطيين هذا الأسبوع، ويتعلق الأمر بإضراب عمال الموانئ، الذي أغلق لفترة وجيزة موانئ رئيسية في الساحل الشرقي وخليج المكسيك لأول مرة منذ 50 عاما، قبل أن يتم التوصل لاتفاق بالعودة إلى طاولة المفاوضات في يناير/كانون الثاني، وإعادة فتح الموانئ.
ولو أن ذلك التوقف عن العمل استمر، لتسبب في اضطراب الإمدادات وارتفاع الأسعار لدى المستهلك في الأسابيع القليلة قبل الانتخابات.
وعاد عبور المهاجرين غير القانونيين للحدود مع المكسيك إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد، بعدما وصل عددهم إلى 249,741 في ديسمبر/كانون الأول، وهو رقم قياسي.
وبينما لا يزال تأثير تلك الحدود ملموسا في الكثير من المدن الأمريكية، إلا أن حدة الأزمة بدأت في التراجع.
أعمال الشغب تعود إلى الواجهة
وإذا كانت أخبار هذا الأسبوع تنذر بمشاكل عديدة لهاريس والديمقراطيين، فإن ترامب لم يكن في راحة هو الآخر.
فقد عاد سلوكه إزاء أعمال الشغب في مقر الكونغرس يوم السادس من يناير/كانون الثاني إلى الواجهة، عندما كشف أحد القضاة الفديراليين وثيقة تتضمن أدلة ضد ترامب لمحاولته قلب نتائج انتخابات 2020.
وتتضمن الوثيقة، التي تطالب بعم منح الحصانة الرئاسية لترامب، تفاصيل عن تصريحات الرئيس السابق وتصرفاته، قبل اندلاع أعمال الشغب
وكشف استطلاع للرأي أجرته سي إن إن مؤخراً، أن الناخبين يفضلون هاريس على ترامب فيما يخص قضايا "حماية الدميقراطية"، بنسبة بلغت ما بين 47 إلى 40 بالمئة، وكل شي يذكر الناخبين بالأسابيع الأخيرة من فترة ترامب الرئاسية يمكنها أن تخدم مصلحة الديمقراطيين.
التعليقات