يقود رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والنائب السابق وليد جنبلاط، حراكاً دبلوماسياً للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في لبنان بمعزل عن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" إن بري قاد التشاور مع حزب الله في الأسابيع الماضية، لوقف إطلاق النار. وأضاف أن أمين عام حزب الله الراحل حسن نصر الله، وافق على وقف إطلاق النار، قبل اغتياله الشهر الماضي.
وأعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أمس الثلاثاء تأييده للجهود السياسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان. وقال قاسم "نؤيد الحراك السياسي الذي يقوم به الرئيس (نبيه) بري".
وسبق لبري أن قاد مفاوضات وقف إطلاق النار في حرب 2006، بالتوافق مع حزب الله.
فمن هو نبيه بري؟
هو قائد "حركة أمل"، وهي حزب سياسي لبناني يتمتع بقاعدة كبيرة لدى الناخبين الشيعة، وحليف وثيق لحزب الله.
وبري صاحب أطول ولاية في رئاسة مجلس النواب، إذ أنه يشغل هذا المنصب منذ عام 1992، وأعيد انتخابه أكثر من مرة آخرها عام 2022، ليصبح ابن السادسة والثمانين عاماً واحداً من أكبر رؤساء البرلمانات في العالم عمراً.
ولد بري في 28 يناير/كانون الثاني 1938 في مدينة فريتاون، عاصمة سيراليون. ووالده مصطفى بري كان أحد وجهاء بلدة تبنين الجنوبية.
تلقى علومه الابتدائية والمتوسطة والثانوية متنقلاً بين مدارس تبنين وبنت جبيل وصور والمقاصد والحكمة في بيروت.
حصل على إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية عام 1963 ثم أكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة السوربون في باريس.
خلال دراسته الجامعية في لبنان أصبح رئيساً للاتحاد الوطني للطلبة في الجامعة اللبنانية. وبعد أن أنهى فترة التدريب في مجال المحاماة، بدأ حياته المهنية.
على الصعيد السياسي كان بري يحمل أفكاراً قومية، ونشط في صفوف "حزب البعث" في أوائل الستينيات من القرن الماضي. وفي أواسط الستينيات تعرف على الإمام السيد موسى الصدر وتأثر بأفكاره، ونشأت بينهما علاقة قوية حتى بات واحداً من المقربين جداً إلى الصدر وأحد أبرز مساعديه.
قيادة حركة أمل
لم يلعب بري دوراً كبيراً في حركة "المحرومين" التي أسسها الصدر والتي تلاشت مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. وتحول الصدر إلى رمز وطني في لبنان، خصوصاً لدى المسلمين الشيعة، بعد اختفاء أثره خلال زيارة له إلى ليبيا عام 1978 مع اثنين من مساعديه.
وعادت الحياة إلى حركة المحرومين التي حملت بعد ذلك اسم "أمل"، خلال هذه المرحلة لمع نجم بري وأصبحت الحركة جزءًا من الحركة الوطنية المسلحة التي كانت تضم منظمة التحرير والقوى اليسارية اللبنانية في مواجهة حزبي الكتائب والقوات اللبنانية خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية.
وواجهت حركة أمل الجيش الإسرائيلي عبر عمليات عسكرية في جنوب لبنان بعد اجتياحه واحتلاله عام 1978.
بعد استقالة حسين الحسيني من قيادة حركة أمل، تولى بري قيادتها في أبريل/نيسان 1980، وقد تلى ذلك استقالة معظم الأعضاء السابقين في الحركة. وقاد بري الحركة خلال القتال العنيف الذي اندلع أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي 1984 شارك في حكومة الوحدة الوطنية كوزير لإعادة إعمار الجنوب، ولاحقاً عمل وزيراً للعدل ثم وزيراً للموارد الكهربائية والمائية في حكومة رشيد كرامي.
اندلعت مواجهات عسكرية بين أنصار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صاحب التمثيل الأقوى لدى الطائفة الدرزية واليسار اللبناني من جهة، وقوات أمل من جهة أخرى في بيروت الغربية عام 1987.
وبعدها بعام، حدث الصدام الذي كان متوقعاً بين أمل وحزب الله الذي كان حديث الولادة آنذاك، واستمرت المواجهات بين الطرفين لمدة شهرين.
عُيّن بري وزيراً مرة أخرى بين عامي 1989 و 1992، عندما انتخب رئيساً لمجلس النواب اللبناني في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وظل يشغل هذا المنصب منذ ذلك التاريخ.
واجه نبيه بري انتقادات خلال الاحتجاجات التي اندلعت في لبنان عام 2019، نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة. وحمّل حينها المحتجون، جميع أفراد الطبقة الحاكمة في لبنان، بما في ذلك رئيس مجلس النواب، المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والفساد في البلاد.
راعي الحوار الداخلي
يحكم لبنان نظام سياسي ديمقراطي لكن توافقي، بمعنى التوافق بين الطوائف الدينية المتواجدة في لبنان.
لكن القرارات والتعيينات في المناصب الكبيرة لا تتم دائماً عبر التصويت أو الانتخاب، بل عبر التوافق بين ممثلي الطوائف الأساسية.
وعرف لبنان أكثر من أزمة سياسية حادة مثل عدم القدرة على انتخاب رئيس للبلاد أكثر من مرة، أو عدم تعيين رئيس للوزراء.
وأخذ نبيه بري على عاتقه الدعوة لجلسات حوار داخلي بين أقطاب السياسة في لبنان، في محاولة منه لنقل الخلاف من مقاعد البرلمان إلى طاولة الحوار.
وواجه بري انتقادات أحياناً بسبب دعوته إلى جلسات حوار، بدلاً من الدعوة إلى اجتماع مجلس النواب للنقاش والتصويت على قضية ما تثير الخلاف.
وكان بري قد شارك ممثلاً عن الطائفة الشيعية، خلال الحرب الأهلية في أكثر من مؤتمر وجلسة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لكن جميعها باءت بالفشل حتى توقيع اتفاق الطائف.
وكان بري من بين المشاركين الأساسيين في توقيع "اتفاق الطائف" في السعودية عام 1990، الذي نصّ على وقف إطلاق النار بين الأحزاب المتقاتلة.
كما كان بري أبرز وجوه اتفاق الدوحة عام 2008، بعد نشوب معارك مسلحة في شوارع بيروت بين حزب الله وأمل من جهة، ومناصري تيار المستقبل من جهة أخرى.
العلاقة مع حزب الله
مع بدايات الحرب الأهلية، أصبحت حركة أمل الممثلة الوحيدة للطائفة الشيعية في لبنان.
لكن مع بداية الثمانينيات، عرفت الحركة انشقاقات في صفوفها، شكّل بعضها تنظيماً سياسياً شيعياً جديداً، متأثراً بأفكار الثورة الإسلامية في إيران، عُرف في ما بعد باسم "حزب الله".
مع توسّع نفوذ وحضور حزب الله، على الساحة اللبنانية، اشتد التنافس بين التنظيمين ووصل إلى نشوب صراع مسلّح بينهما امتد ثلاث سنوات تقريباً.
بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب الأهلية، تشكّل تحالف سياسي متين بين الفريقين الذي يُطلق عليه اسم "الثنائي الشيعي" في لبنان.
وتحالفا في معظم الدورات الانتخابية البرلمانية والبلدية المحلية.
التعليقات