في حال أصبح فؤاد سنيورة رئيساً لمجلس الوزراء في لبنان، معنى ذلك أن تغييراً حقيقياً حصل في البلد، أقله في ما يتعلق بوجود حكومة تصر على كشف الحقيقة، كل الحقيقة، بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، وما سبق الجريمة وتلاها، بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حمادة وانتهاء بقتل سمير قصير وجورج حاوي.
إنها حكومة قادرة على وضع النقاط على الحروف، وتحمل مسؤولياتها على صعيد تفكيك النظام الامني السوري-اللبناني، بدل الاكتفاء بالقول ان سورية صارت خارج لبنان، لتغطية ما يرتكبه النظام المشترك الذي لا يزال حياً يرزق... خصوصاً بفضل أدواته الجديدة-القديمة، مثل الجنرال ميشال عون. هذا الجنرال الذي استُحضر الى لبنان في الوقت المناسب لمحاربة بعض الرموز الحقيقية للمعارضة، وتعويم من يمكن تعويمه من الذين يشكلون العمود الفقري للنظام الأمني المشترك.
ستواجه عملية الوصول الى تولي فؤاد سنيورة موقع رئيس مجلس الوزراء عقبات ضخمة، مردها أن وصول رجل مثله الى هذا الموقع يعني البداية الفعلية لإلغاء مفاعيل التمديد للرئيس إميل لحود أولا، فضلا عن إعادة إحياء مشروع التنمية والإعمار الذي كان يقف خلفه رفيق الحريري. هذا المشروع الذي أعاد لبنان العربي الى الخريطة السياسية للمنطقة والعالم، والذي كلف الرجل الكبير حياته. فقد كان ممنوعا على لبنان أن ينمو ويتقدم، وأن يعود واحة للحرية والتقدم والحضارة والانفتاح في المنطقة. وكان ممنوعاً على لبنان أن يتحول رمزاً للدولة العصرية، القادرة على تحدي اسرائيل العنصرية بالأفعال وليس بمجرد الشعارات الفارغة التي اختصرت الطريق الى هزيمة العام 1967. كان مطلوباً بقاء لبنان مجرد نظام عربي آخر، مع فارق أنه كان عليه أن يظل تحت وصاية الآخر أيضا! أي ان يكون نظاماً متخلفا تحت رحمة نظام متخلف اخر. وكان هذا ما رفضه رفيق الحريري وثار عليه، منتفضاً لكرامة كل لبناني وعربي اصيل.
إذا لم يصل رجل من طينة فؤاد سنيورة الى موقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان، يكون كل شيء بقي على حاله في البلد، ويكون دعاة المحافظة على النظام الأمني السوري-اللبناني سجلوا نقطة ثمينة لمصلحتهم. ومن هذا المنطلق، لابد من توقع مقاومة شرسة لأية محاولة تستهدف تحقيق تحول نوعي يصب في النهاية في مصلحة لبنان المزدهر والحر والمستقل، المرتبط بعلاقات متميزة مع سورية بدل أن يكون مجرد "ساحة" لها في لعبة تجاذب على المستوى الإقليمي، يصعب على دمشق أن تخرج رابحة منها.
وفي حال نظرنا الى الماضي القريب، نجد ان النظام الأمني السوري-اللبناني على استعداد للذهاب بعيداً جداً من أجل تكريس الأمر الواقع، والتصرف على أساس أن التمديد لإميل لحود صفحة من الماضي، وأن اغتيال رفيق الحريري حادث عابر تجاوزته الأحداث، وأن على كل من لم يستوعب هذه المعادلة الاتعاظ من الدرس الذي تلقاه جورج حاوي وقبله سمير قصير.
انه نظام امني لا يرحم، تكمن مشكلته الأولى في أنه لا يريد أن يرى أن لجنة التحقيق الدولية موجودة في لبنان وليس في اي مكان آخر. واللجنة ستكشف الحقيقة، عاجلاً ام آجلاً، بغض النظر عمن سيكون رئيس مجلس الوزراء المقبل في لبنان... أما الرجال مثل فؤاد سنيورة، الذين يعرفون أن خسارة رفيق الحريري خسارة لسورية ولبنان ولكل عربي في آن، هؤلاء الرجال يدركون أن التمديد ليس خلفنا، وان جريمة اغتيال رفيق الحريري ليست حدثا عابرا يمكن تغطيته بجرائم أخرى. إنهم يدركون أنه كلما كان التغيير الحقيقي سريعاً في لبنان، كان ذلك في مصلحة سورية ولبنان، اللذين لديهما مصلحة مشتركة في ولوج باب المستقبل معاً.
كاتب لبناني مقيم في لندن
التعليقات