الأربعاء: 24 . 08 . 2005

اصرار الرئيس المصري حسني مبارك على خوض انتخابات الرئاسة المصرية المقررة في 7 ايلول (سبتمبر) المقبل، وكأنه يترشح للمرة الاولى أضفى بعض الصدقية على المعركة الانتخابية. صحيح ان الدولة المصرية بكل مؤسساتها الرسمية تقف وراء الحزب الوطني، وشعارات «مبايعة» مبارك مقدماً تغطي واجهات المباني الرسمية، ووسائل النقل العام ناهيك عن الصحف القومية التي تدعم الرئيس وتكاد تتجاهل بقية المرشحين، لكن رغم ذلك يبقى ان ما يجري في مصر هذه الايام حدث تاريخي، ونقلة نوعية في عملية تداول السلطة في مصر. ويمكن وصف انتخابات الرئاسة المصرية بأنها «بروفة» ديموقراطية مفيدة، إذ أن نزول رئيس حكم مصر على مدى ربع قرن الى الشارع لكسب ود الناخبين، والقيام بزيارات للقرى والنجوع، والاعلان عن برنامج انتخابي يحاكي هموم المواطنين البسطاء تطور غير عادي في الثقافة السياسية في مصر والعالم العربي الذي لم يعرف على مدى نصف قرن الا أنظمة شمولية لا تؤمن بمبدأ تداول السلطة، وتعتبر الحديث عنه ضرباً من الخيانة للقائد والزعيم الأوحد.

ليس من المرجح ان تنطوي هذه الانتخابات على مفاجأة، أو تأتي برئيس جديد لمصر على الطريقة الايرانية، لا بسبب تدخل متوقع في صناديق الاقتراع، وانما بسبب غياب المنافسة وانعدام ثقة المواطنين بصناديق الاقتراع. لكن هذه الانتخابات، رغم ما فيها من تجاوزات صارخة، ستمهد الطريق للوصول الى هذه النتيجة خلال المرحلة المقبلة، فهذه الخطوة ستعيد الثقة بمبدأ الانتخاب لدى المصريين، وستسهم في معاودة ولادة الاحزاب المصرية التي نشأت وعاشت على مدى نصف قرن تحت سقف الحكومة، ولم تكن تفكر مجرد التفكير في خوض انتخابات رئاسية، فضلاً عن ان الثقافة الحزبية في مصر أصابها الكبر والضعف والفساد، وتحولت الاحزاب المصرية خلال العقود الخمسة الماضية الى مجرد «جمعيات» بيروقراطية لاصدار الصحف والبيانات، وواجهات تذكر المواطن المصري بمرحلة سياسية عاشتها مصر قبل الثورة. لكن يبدو ان هذه الصورة في طريقها الى الزوال، وربما تشهد مصر خلال المرحلة القادمة نقلة نوعية في مفهوم العمل الحزبي.

لا شك في ان حماسة الحزب الوطني لتسويق مرشحه الرئيس مبارك على هذا النحو الجاد والمثير أعطت أهمية غير عادية لحملة الانتخابات الرئاسية، ففي البداية أسهم تأخير ترشح مبارك للانتخابات في زرع حال من انعدام الثقة بهذه الانتخابات، وجرى تداول سيناريوات كثيرة منها ان الرئيس ربما يتخذ قراراً بتأجيل الانتخابات لأسباب سياسية او امنية الى ان يتم الالتفاف على خطوته التاريخية بتغيير الدستور، والسماح بمبدأ الترشح لمنصب الرئيس، لكن سرعان ما تغير الحال بعد أن تحول الرئيس الى مرشح يلهث وراء كسب اصوات الناخبين، وربما يسهم هذا السلوك في فوز الرئيس مبارك بجدارة ونزاهة، فكثير من المصريين اليوم يتحمسون للرئيس ليس بسبب خوفهم من التغيير، أو ضعف شعبية منافسيه، وانما لأنه اتخذ خطوة تاريخية وسمح بممارستها ولو بالحد الادنى.

الاكيد ان موقف القضاة في مصر من مسألة مراقبة الانتخابات فرض على الرئيس مبارك التعامل مع الانتخابات بهذه الجدية، فهو ادرك ان تغيير الدستور فرض واقعاً جديداً، وان أي تحرك باتجاه مواجهة هذا الواقع، بأساليب قمعية سيخلق ازمة سياسية لا تطيح الرئيس فحسب بل ربما تدخل البلد كله في نفق مظلم. ولذلك تصرف بأدوات سياسية رغم كل التجاوزات، وما تم حتى الآن اكد ان الرئيس مبارك لا يتصرف بعقلية المستبد. صحيح انه سيسعى الى الاحتفاظ بالحكم بطرق شتى، وهو الآن يسخر الدولة بكل مرافقها لهذا الغرض، ويستخدم صلاحيات الرئيس ليبقى رئيساً، لكن مع كل هذا ربما يصبح مبارك اول رئيس مصري منتخب بجدارة.