لا يمكن توصيف وضع لبنان السياسي ماضيا وحاضرا، بأيّة مقاييس ممكنة. إذ لا توجد معايير، او قوانين جاهزة للاستعمال. وفي كلّ مرّة، يجب على المُحلّلين الابتكار، والابتكار كي يتوصّلوا إلى فهم أو حتّى شرح الواقع السياسي اللبناني. في لبنان، كلّ سياسي هو مفكّر استراتيجي، إذا ما استلم وزارة فيها جهاز امنيّ – الدفاع او الداخليّة. وهو – اي السياسي- عالم اجتماع إذا ما كان في وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة. وهو طبيب حائز على جائزة نوبل، لانه وبسبب التوزيع الطائفي والمذهبي، كان حظّه وزارة الصحّة. وهو قد يكون اليوم هنيبعل في وزارة الدفاع، وغدا - إذا ما أعيد توزيع الحقائب- الدكتور دبغي في وزارة الصحّة.
تدلّنا وتؤكّد قولنا هذا، بعض التجارب السياسيّة في لبنان، قبل وبعد مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في بعض الامثلة:


1ـــ نُفي الجنرال ميشال عون إلى باريس لمدّة خمس عشرة سنة تقريبا. عاد بعد الاغتيال، فجمع اكثر من 400 الف مؤيّد له في ساحة الشهداء. وفي الانتخابات، حصد ما يُقارب الـــ 21 مقعدا. ولو اعتمد مبدأ النسبيّة لكانت حصّته اكثر.
2 ـــ في مكان آخر، سُجن الدكتور جعجع 11سنة في زنزانة صغيرة جدّا. خرج من السجن وحصد في الانتخابات حوالى الستة مقاعد. وتوسّعت شبكة تحالفاته لتعمّ كل الاراضي اللبنانيّة.
3 ـــ في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، شدّد الرئيس لحّود على الوزراء العودة إلى روحيّة 14 آذار- امر محيّر!!!!
4 ـــ وأخيرا وليس آخرا، أُتّهم الرئيس السنيورة في وقت ما على انه أهدر المال العام. وبعد تسوية معيّنة، عُيّن كوزير بعد ان أُوقفت الملاحقة المُفبركة ضدّه. وها هو الآن، رئيسا للوزراء مع اغلبيّة نيابيّة قياسيّة كانت قد سمّته خلال الاستشارات المُلزمة.
إذا نحن في أيّة دولة؟ وهل لدولتنا ذاكرة جماعيّة عاقلة؟ أم أن المُقرّرين السياسيّين، يعتقدون – وهم مُُحقّون في ذلك- اننا نحن، عامة الشعب لا ذاكرة لنا؟ من هنا الضحك علينا، والاستخفاف بنا. لكن لماذا هذا الحديث الآن؟
عندما قرّر الرئيس السنيورة اعتماد مبدأ الكفاءة للتعيينات، كتبت له عارضا المساعدة. وشرحت له ان الكثير من الأكفاء لا مرجعيّة دينيّة وسياسيّة لهم. لذلك سوف لن تُطرح اسماؤهم. إذا اين مبدأ المساواة والديمقراطيّة؟
عندما كتبت، نسيت عمدا انني كتبت، فقط لاننا تعوّدنا ان لا صدى لصوتنا. لكن وبعد اسبوعين من كتابتي، تلقّيت اتصالا من السراي الحكومي، ينقل لي تأثّر الرئيس السنيورة، حول طريقتي في الكتابة، وكيف ان الرئيس يشجّعني. ولمزيد من الدهشة، تلقّيت البارحة رسالة خطيّة شخصيّة موقّعة بخط يد الرئيس سنيورة – الامضاء الاصلي – وهذا امر لم نتعوّد عليه في لبنان. ماذا كتب في الرسالة؟
أنه قرأ مضمون كتابي، وهو مسرور، وهو يشدّد على التعاضد لبناء الوطن الجريح، كما يؤكّد لي انه سوف يستعين بخبراتي إذا ما دعت الحاجة.
في تحليل ما ورد أعلاه!!!
من خلال ما ورد، يبدو ان لبنان يعاني وبسبب مسؤوليه انفصاما في الشخصيّة. فهو بلد الحريّة، لكنّه بلد القهر والاستبداد في نفس الوقت. وهو يقدّر طاقات اولاده، لكنه يريدهم بعيدين عنه حتى ولو ان الشعب يريدهم. وما يهمّ، فمُتّهم الغدّ، هو رئيس وزراء اليوم. وقد يكون وزير اليوم، مُتّهم الغد " تنذكر ما تنعاد".
اين الرياضة من هذا الامر؟
تتبع الرياضة الواقع السياسي، وبالتالي الاجتماعي. وصورة الرياضة هي انعكاس للواقع الامني ايضا، والمرتبط بدوره بالواقع السياسي. لذلك يلاحظ ما يلي:

1 ـــ ان رياضة الامس كانت صورة طبق الاصل عن السياسة. وقد كانت سياسة الامس، سياسة قهر واستبداد، كذلك الرياضة.
2 ـــ وإذا غيّر بعض سياسيي الامس شعاراتهم الماضية وانضووا تحت شعار 14 آذار، فمن الضروري ان يكون سلوك سياسيي اليوم، المتحرّرين والمؤمنين بالديمقراطيّة، ومبدأ الكفاءة، سلوكا متميّزا، ثوريّا وانقلابيّا تجاه الماضي الاليم. حتى الآن، لا بشائر خيّرة.
3 ـــ وإذا كان رأس الهرم في السلطة التنفيذيّة يردّ عليّ برسالة موقّعة منه بإمضائه الاصلي، فعلى المسؤولين من الرعيل الثاني ان يفتّشوا هم بانفسهم عن الاوادم لبناء رياضة المستقبل.
في الختام، وإذا اعتبرنا ان لبنان كان يعاني انفصاما في الشخصيّة خلال فترة الاستبداد الرياضي السابق، فمن الضروري الآن وبعد التحرّر، ان تتحرّر الرياضة في فكرها وسلوكها، لينطلق مشروع الاصلاح.