الثلاثاء 26 ديسمبر2006

حميد المنصوري

ثمَة مستجَدات في حلقة الصراع بين واشنطن وطهران، تميزَّت بعودة دورِ المؤسسة العسكرية الأميركية على حسابِ المؤسسة السياسية قُبيل انصرام هذا العام. وجوهر الموضوع هو أن الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وإيران في العراق في سياق البحث عن استقرار المنطقة لم يؤدِّ إلى مراجعة أميركا لسياستها من خلال تبني اقتراحات quot;لجنة بيكر- هاملتونquot; التي أشارت بتقديم الحلِّ السياسي التفاوضي على العسكري في التعامل مع إيران التي تتمتَّع بنفوذ في العراق ولبنان، بل لقد أخذ التواجدُ الأميركي في الخليج يتعزَّز بقوات ومعدات عسكرية ومنها قُدوم حاملةِ طائرات ثانية وسفنٍ حربية وغيرها. وهذه المستجدَّات العسكرية تَقع ضمن استراتيجيةِ تفكيكِ استراتيجيات القوة الإيرانية، ومنها الموقِع على الخليج وما يحدُث للولايات المتحدة في العراق نتيجة النفوذ الإيراني. ومما لاشك فيه أن وجود هذا الحشد العسكري الأميركي- الغربي القريب من إيران سيكون رادعاً حقيقياً لأي عملية أو حتى تفكيرٍ إيراني في عرقلة إمدادات النفط من الخليج، كما أنه سيَمنع وصولَ أيِّ معدات أو مواد يمكنُ استخدامها في عملية الحصول على التكنولوجيا النووية أو المعدات العسكرية الأخرى، وذلك بواسطة عمليات تفتيشٍ للسفن التجارية المتجهة صوب إيران أو الخليج والتي تثور حولها الشكوك أو تتوفَّر عنها معلومات، وهو أمر يساعد على تنفيذ قرارات مجلس الأمن. ومن جهة أخرى سيؤدي هذا التواجد إلى مراجعةٍ لدى القادة الإيرانيين المحافظين الذين يتعرَّضون لاحتجاجات داخلية كبيرة كان آخرها الحركة الطلابية المعارضة لسياسات أحمدي نجاد رغم صبغتهم المحافظة ذات المطالب الإصلاحية الداخلية.

وعلى صعيد الأمم المتحدة فقد تبنَّى أعضاء مجلس الأمن الدائمون وغير الدائمين بالإجماع القرار 1737 الذي فرض عقوباتٍ اقتصاديةً تتمثل في تجميد الأرصدةِ المالية لــ11 منظَّمة و12 فرداً لهم صلة ببرنامج إيران النووي، وحظراً على توريد وتصدير المعدات والمواد والتكنولوجيا التي لها صلة ببرنامج تخصيب اليورانيوم وبمفاعل المياه الثقيلة وبكلِّ ما له صلةٌ بإنتاج الأسلحة النووية، وبأنظمة الصواريخ البالستية بعيدة المدى، بينما استثنى مفاعلَ المياه الخفيفة quot;بوشهرquot; الذي تقوم روسيا بإنشائه، وهذا يمثل تنازلاً لموسكو وتأكيداً بأن الدول الكبرى تستطيعُ إدارةَ مصالحها وعدمَ تحوُّل الطموحات الإيرانية إلى حلقة صراع بينها، فهي أصغر من أن تتمكن من إثارة صراعٍ بين الدول الكبرى، وذلك لوجود مصالح وأهداف مشتركة بينها، ومنها عدم الرغبة في وصول إيران إلى مصاف الدول النووية المتوسطة، وهو أمر يخضعُ لحقائق جغرافية استراتيجية وثقافية سياسية، لاسيما ما يمثِّله الاستقرارُ في المنطقة من أهمية للأمن الدولي الذي ينعكس في نهاية المطاف في شكل مكاسب اقتصادية وتجارية لصالح الدول الكبرى أساساً. وقد نجحت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، التي صاغت نص القرار، في التحكُّم في الصراع مع إيران وفَسْح المجال لعودتها إلى الشرعية الدولية وتغيير لغة خطابها وسياساتها في العراق ولبنان، إلى جانب حِفظ مكانة الدول الكبرى، ومنها روسيا والصين، على الساحة الدولية. وعند النظر إلى تصريحات الترويكا الأوروبية عقب صدور القرار1737 نجد أنها تعبِّر كلُّها عن حافزٍ كبير لعودة إيران إلى المجتمع الدولي وإشارةٍ واضحةِ التصميم حول المسألة النووية الإيرانية.

حقيقة لقد أصبحت القيادة الإيرانية ومستقبل السياسات القادمة محكومين بواقع دولي وإقليمي جديد قائم بين التحفيز الأوروبي وبين ما خرج به مجلس الأمن الدولي من عقوبات، وهو ما يعني أن هذه المستجدَّات تشكِّل محفِّزاً ورادعاً معاً في إطار السعي إلى إحداث تغييرات في واقع الصراع الأميركي- الإيراني من خلال دفع إيران إلى تغيير سياساتها الداخلية والخارجية. وستكون هذه التدابير ذات أهمية خاصةٍ إذا ما حدثت مستجدات داخلية إيرانية تؤدي إلى المساس باستقرار البلاد. ولابد من الانتظار حتى نتبين ما إن كانت هذه التدابير ذات الحدين ستدفع بالأمر إلى هذا الاتجاه أو ذاك.

باحث إماراتي في العلوم السياسية