السبت: 2006.06.24
بول شاوول
عندما نتكلم على quot;موقعquot; ما، فيعني أن هذا الموقع موجود ومحدد مادياً ومعنوياً وزمنياً. وعندما نتكلم على quot;رئاسةquot; ما، فيعني أن هذه quot;الرئاسةquot; موجودة ومحددة مادياً ومعنوياً وزمنياً. وعندما يجمع المجمعون على موقع رئاسة ما، فيعني أنهم مجمعون على أن quot;الكلمتينquot; متجانستان، ومكملة الواحدة للأخرى، ويمكن استعمالهما في جملة مفيدة لها معنى محدد يدل على شيء أو شخص محددين. ولهذا، نجد أن الذين يجمعون اليوم بين هذه الكلمتين، إنما يجمعون، في الواقع عندنا بين كلمتين تجريديتين، افتراضيتين، في جملة ناقصة. فموقع الرئاسة لكي يكون موقعاً فإنه يحتاج الى رئاسة. والرئاسة لكي تكون واقعاً في الموقع فيجب أن تدل على رئيس محدد معروف ومعترف به، يمنح الموقع رئاسيته، ويمنح الرئاسة موقعيتها. ويمكن من باب التكهن، أن نحسب أن الموقع موجود. لكن عندما تمتحن الموقع تكتشف أنه موجود بالقوة (أي بالافتراض) لأن من يفترض أنه يحتله، إنما يمثل quot;موقعاًquot; آخر، هو في سياق السياسة وأهل السياسة والأعراف، في موقع quot;اللاموقعquot;، لأنه وفي سياق السياسة وأهل السياسة، موقع رئاسة بلا رئيس.
ولهذا، يصعب عليك أن تضع صلة وصل بين الكلمتين لتكوِّنا عبارة، ذات دلالة، وذات معنى، وذات حيثية.
وما أدلَّ على ذلك سوى أن الكلام على موقع رئاسة غير موجود يقود الى أن الرئيس غير موجود في الرئاسة، وتالياً ان الرئيس وتالياً الرئاسة في اللاموقع. أو فلنقل في الشغور. وهذا ينطبق على ما يشاع من كلام، وغبار ألفاظ، تتعلق بموقع رئاسة يمثلها اميل لحود. وهنا، ومن باب الواقع والحيثية، وأهل التمثيل السياسي، والمجموعات، يمكن القول، ان اميل لحود رئيس بلا رئاسة منذ ما قبل التمديد. وان الرئاسة، حالة تجريدية نظرية تحتاج الى رئيس موجود ليجسدها. فإذا كان اميل لحود لا يمثل الموقع ولا الرئاسة، فيعني أنه ليس رئيساً. ولهذا، عندما تستنفر الحناجر، والهمم، من هنا وهناك للتحدث عن quot;إهانةquot; موقع الرئاسة، فإنما يتم هذا الاستنفار للتأكيد على أن الرئيس الغائب يحتاج الى مَنْ quot;يظهرهquot;، ويستحضره لأنه بات في صيغة الغائب. وهكذا، عندما يقال ان موقع الرئاسة يمثل ما يمثل من مارونية الموقع، فهذا يفترض أن مَنْ يمثل الموارنة يعترف بوجود الموقع والرئاسة والرئيس؛ وهذا، يدحضه الواقع، وأهل العلم والسياسة، وعلى هذا الأساس، نعود الى الوقوع، لدى كلامنا على موقع الرئاسة الماروني، في التجريد. فلا اميل لحود أتى به الموارنة، ولا سائر الطوائف، ولا الأحزاب. فهو ليس من إرادة مارونية ولا وطنية ولا حتى محلية. صُنع في الخارج، خارج الارادات.
ولهذا، فهو خارج الحيثيات المارونية وما يليها من حيثيات سنية ودرزية وكثير من الشيعية، وكذلك من الوطنية. ولهذا، وبقدر ما لا يمثل لحود الطائفة المارونية، فهو لا يمثل أيضاً الارادات الأخرى. فلا هو باقٍ في الموقع بحكم الارادة المارونية المتمثلة ضمن الأكثرية، ولا هو باقٍ في حكم الارادة الطوائفية الأخرى المتمثلة ضمن الأكثرية. وإذا أرتددنا، الى المواقع الأخرى quot;الشباطيةquot; التصحيحية، نجد أن موقع لحود لا يشكل بالنسبة إليها، موقعاً رئاسياً، بقدر ما يمثل ذرائعية ما. إذ أن رئيساً بلا موقع رئاسي في الجمهورية، لا يمكن أن يكون ذا موقع رئاسي عند الآخرين. فالرئيس الافتراضي هنا، افتراضي في كل مكان. ولهذا، عندما يعود الباحث الى شغور الموقع في الحيّز الداخلي، يتوصل الى أن هذا الشغور يطول الى كل أحجام الحيّز الخارجي. فالذي لا يعترف بشرعية المجتمع الدولي الشرعي، ويعتبر quot;رئيساًquot; احتل بالقوة موقعه الرئاسي، فيعني أن هذا الرئيس غير الشرعي في الداخل، والخارج، موجود في لا شرعيته، وغير موجود بأحكام الدساتير، والقوانين، والأعراف. موجود في quot;الممكنquot; وغير موجود في الواقع. موجود عند الذين quot;فرضوهquot;، وغير موجود عند الذين يرفضونه، وهم الأكثرية الشرعية. إذ كيف يكون الرئيس رئيساً إذا كان البرلمان ضده، والحكومة، ضده. وعندها يطرح السؤال: رئيس على مَنْ؟ وممن؟ والى مَنْ؟ إذ أن أي رئيس، يكون رئيساً بفعل الأكثرية التي تنتخبه انتخاباً ديموقراطياً. والأكثرية المنتخبة ديموقراطياً ترفض رئيساً quot;عُيِّنquot; بطريقة غير ديموقراطية. وان أي رئيس لا بد، إذا كان رئيساً فعلاً، أن يمثل أفكاراً أو أحزاباً، أو هيئات، أو طوائف. وإذا كان الرئيس لا يمثل الأكثرية، (ولا تمثله) ولا الأقلية، ولا الأحزاب ولا الهيئات. ولا الطوائف، فمن الطبيعي أن يمثل مَنْ هم خارج الأقلية، والأكثرية، وخارج الأرض، والناس، أي خارج الحدود. والرئيس الذي يمثل مرجعية من خارج الحدود، هو رئيس موجه الى خارج الحدود. رئاسته من خارج الحدود وتعود الى خارج الحدود. وحضوره ملموس خارج الحدود الاقليمية وغير ملموس داخل الحدود. وعندها يكون هذا الرئيس ذا quot;موقعquot; خارجي موجود في الداخل، وذا وجود غير موجود في الداخل، وموجود في الخارج.
والرئيس الذي لا يعرف موقعه، في الداخل، من الصعب أن يحدد موقعه في الخارج، فهو رئيس في الخارج (الاقليمي) بقدر ما هو quot;غير رئيسquot; في الداخل. وهذا يعني عملياً، وبعملية بسيطة أنه، ليس موجوداً (كموقع) لا في الخارج ولا في الداخل. فهو ليس نتاجاً لارادة لبنانية، ومن غير الممكن أن تلبننه إرادة خارجية. وعلى هذا الأساس، وبقوة quot;لا وجودهquot; في الجهتين، يفضي، وبكل بساطة، الى أن quot;الموقعquot; المفترض والمفروض، هو موقع لا يمثل الاطار الديموقراطي، ومن لا يمثل الاطار الديموقراطي، فهو غير ديموقراطي. أي يعبّر عن مناحٍ دكتاتورية، أو فاشية أو انقلابية. والرئيس الانقلابي لا يمكن أن يكون له موقع ديموقراطي، ولا لبناني، ويعني، في ما يعني، ومن خلال اعتباره quot;ظاهرةquot; خوارجية، انه جاء من خارج الارادة السيادية، ذلك لأن الأكثرية السيادية لا تعترف به، لأنها لم تنتجه والرئيس quot;غير السياديquot;، هو رئيس غير استقلالي، وبفعل وجوده غير الاستقلالي، كمعبر لوجود خارجي، يعني أنه غير جمهوري، فلا لحود quot;رئيسquot; استقلالي، ولا سيادي، ولا جمهوري. فهو إذاً بلا موقع جمهوري. وبلا موقع رئاسي. وعلى هذا الأساس، يثير عجبنا القول ان الرئيس المفترض يتعرض للتهميش، وهو بحكم لا وجوده، ولا فاعليته، يسكن أصلاً في التهميش. فالمهمش من الأكثرية، والديموقراطية، والاستقلالية، والجمهورية بدستورها وأعرافها، هو بفعل هامشيته quot;مهمشquot; أصلاً ولا يحتاج الى مَنْ يهمشه. والذين يعترضون على تهميشه، إنما يريدون، في quot;باطنيتهمquot;، وفي سرهم، هامشيته، لأنهم ومن باب التواطؤ، يمكن أن يستخدموا هذه quot;الهامشيةquot; التي يمثلها لا موقع الرئاسة، لتسفيه الأكثرية، وتالياً الديموقراطية، والسيادية، وحتى الحرية. وهكذا يكون لهم، وبفعل بعض الظروف، أن يتحوّل اللاموقع الرئاسي الى quot;موقعquot; ذريعي في أيديهم، والى أداة في قبضاتهم، والى ورقة في جيوبهم. أي نعود الى القديم، في أن الأقلية الآن تفرض استمرار رئيس بلا رئاسة، وأن الأقلية، المتصلة بالخارج، تؤمن للخارج أن يستمر في فرض رئيس بلا رئاسة، لكي يؤكد استمرار وجوده الخارج المعروف ووصايته. إذاً رئيس الوصاية، من الخارج. وعلى هذا الأساس، يستمر في التعبير عن عدم وجوده الفعلي، وعن عدم تمثيله أي أحد، وعدم حيثيته. واميل لحود، اليوم، الذي لم يدع كرئيس الى المؤتمر الفرانكوفوني، إنما لم يدع لأنه رئيس بلا رئاسة، وبلا تمثيل، وبلا موقع. إذ كيف يدعى رئيس ليمثل جمهورية ما، إذا كانت الجمهورية ضد الرئيس، وإذا كان الرئيس رئيساً في جمهورية أخرى. وإذا كان هذا الرئيس ألغي موقعه بقرارات دولية وقبلها محلية والى حد بعيد كبير عربية. كيف يمكن لمؤتمر فرانكوفوني دولي أن يتجاوز القرار الدولي بإبطال مفاعيل موقع الرئاسة، أي إبطال الوهم بالواقع.
ونظن، ان قوة اللاموقع الرئاسي، أو الرئاسة البلا موقع، في أنها تتيح الفرص، لضرب الرئاسة نفسها، كموقع تمثيلي معين وجامع، خاص ووطني. فمجرد quot;وجودquot; اميل لحود هناك، بعد quot;انوجادهquot; وتمديد quot;انوجادهquot; قسراً بهيمنة وقوى وإملاءات خارجية، هو الذي يجعل أن هذا الموقع خيانة دائمة، ولو عرضاً، ولو إيهاماً، ليس للاستقلال ولا للسيادة، ولا للديموقراطية فحسب، وإنما للكيان، وللجمهورية. إذ كيف يمكن أن تَسْلَم الجمهورية إذا كانت منوطة. ومستتبعة بمرجعيات أخرى. ونظن أن الذين يزينون لهذا الموقع الرئاسي، ويرخرفون غيابه، ويشرعنون لا شرعيته، ويدافعون عن quot;مقامهquot;، إنما هم، وفي معظمهم، عملوا طويلاً على تدمير الجمهورية، والسيادة، والاستقلال. فهم إذاً، لا جمهوريون، ولا سياديون، ولا استقلاليون. كانوا، كما quot;الموقعquot; أناساً بلا موقع، ابتكرت لهم أجهزة الوصاية quot;مواقعquot;. وعلى هذا الأساس، فمن غير الطبيعي أن يدافع مَنْ لا يعترف بالسيادة، عن السيادة. ومن غير الطبيعي أن يدافع مَنْ يخوّن الاستقلاليين، عن الاستقلال. ومن غير الطبيعي مَنْ صادر (عبر الوصاية) الرئاسة أن يدافع عن الرئاسة. ومن غير الطبيعي مَنْ انتهك الجمهورية والمؤسسات والكيان والشعب (عبر هيمنة الخارج) أن يدافع عن الجمهورية... ويتباكى عليها.
إذاً، الذين يدافعون عن quot;موقعquot; اميل لحود quot;الوصيquot; هم، في أكثريتهم من quot;جِبلَّةquot; اميل لحود، ومن كيميائيته المزيفة... هم نسخ مستوصى عليها من أهل الوصاية، للاستمرار في اغتصاب الرئاسة عبر quot;الرئيسquot;، والجمهورية عبر رئاسة الجمهورية، والسيادة عبر الدفاع عن السيادة.
لقد كان قرار عدم دعوة اميل لحود (وهو اعتاد الاستدعاء بدل الدعوة) الى مؤتمر الفرانكوفونية انتصار للجمهورية، وانتصار للحرية، والاستقلال، والديموقراطية. ونظن، أن الذين يتهمون بعض الجهات بالتدخل في الشؤون الداخلية (ومن بينهم الرئيس شيراك)، هؤلاء ليسوا أكثر من ظواهر أفرزتها التدخلات الخارجية العربية والأعجمية...
فبراو! فليبقَ هذا الرئيس الجثة، بين شواهد قصر بعبدا، وبين أشباحه، المحوّمة من أزمنة الوصاية ومن أزمنة القهر والاستبداد والاستذلال.
بول شاوول
التعليقات