سعد محيو

هذا الأسبوع سيشهد اجتماعاً، ربما يكون تاريخياً، لكبار خبراء حلف شمال الاطلسي في ميونيج.

على رأس جدول الأعمال بحث مستقبل الحلف لتحويله الى قوة شرطة عالمية، خاصة في منطقة ldquo;قوس الأزماتrdquo; الممتدة من شمال افريقيا عبر الشرق الأوسط الكبير، الى أفغانستان ووسط آسيا. ويجمع العديد من المحللين الشرقيين والغربيين، على حد سواء، على أن المدخل لاعادة تخيل دور الأطلسي على هذا النحو سيكون في العراق ومنطقة الخليج، بوصفهما البؤرة الرئيسية لكل من الاضطرابات التي تهدد أمن الغرب والمصالح النفطية- الاقتصادية العليا لهذا الأخير.

مؤتمر ميونيخ، بهذا المعنى سيكون طلقة بدء رحلة التمدد الاستراتيجي للحلف، عبر البوابة الخليجية. لكنه لن يكون الطلقة الوحيدة. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تم عقد العديد من المؤتمرات العلنية وغير العلنية في منطقة الخليج وخارجها تحت عنوان كاد ان يكون موحداً هو: ldquo;تحولات الناتو، والأمن في الخليجrdquo;. وأسهمت في هذه المؤتمرات مراكز أبحاث امريكية بارزة في مقدمها مؤسسة ldquo;راندrdquo; ومجلس العلاقات الخارجية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وغيرها.

الابحاث التي قدمت في هذه المؤتمرات، ومعها المواقف السياسية، دلّت على أنها لم تكن مجرد ورشات عمل فكرية، بل تسخيناً لموتور القطار الاطلسي قبل انطلاقه الجديد في اتجاه الشرق الإسلامي هذه المرة، بعد ان انجز في التسعينات تمدده في الشرق المسيحي (الأوروبي).

في مقدم هذه المواقف كانت الدعوة المبكرة التي أطلقها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير الخارجية القطري، ldquo;لإقامة علاقة تعاون بين دول الخليج والحلف، في اطار آلية موضوعية وواقعية لحماية الخليج من الاخطار الخارجيةrdquo;.

وفي مقدم الابحاث ldquo;العلميةrdquo; التي مهّدت لهذه المواقف السياسية، كانت الورقة التي تقدم بها أنطوني كوردسمان، الخبير قي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، التي حذّر فيها دول الخليج من ثلاثة أخطار تحتم عليهم البحث عن مظلة امنية أطلسية: القوة العسكرية الايرانية، العراق المضطرب، والمتطرفين الاسلاميين.

وبرغم تغيّب المملكة السعودية عن العديد من هذه المؤتمرات، الا أن أجواء التفاؤل سادت سفراء حلف الاطلسي والباحثين الاكاديميين الامريكيين والغربيين المؤيدين لتحول الحلف الى منظمة امنية دولية في المنطقة. وهو تفاؤل يبدو في الواقع في محله.

فمهمة الاطلسي الاوروبية انتهت تقريباً، مع الانضمام الرسمي لسبع دول اخرى الى الحلف، الامر الذي مكّن الاطلسيين من نصب خيمهم وزرع معسكراتهم قرب الحدود الروسية. طائرات الحلف تجوب الآن أجواء البلطيق. وخارج أوروبا، يسيطر الحلف على ldquo;قوة المساعدة الامنية الدوليةrdquo; في أفغانستان. ثم، وهنا الاهم، هناك ذلك الحديث المتكرر (والجدّي) حول دور مماثل للحلف في العراق، خاصة في مناطقه الكردية الشمالية.

كل هذه الإنجازات جعلت الأطلسيين يقطعون ثلاثة آلاف ميل، هي المسافة بين بروكسل والشرق الأوسط، وهم متأكدون من أنهم سينجحون في مهمتهم الجديدة الاسلامية الشرقية، كما نجحوا قبلها في مهمتهم المسيحية الاوروبية.

ما هذه المهمة؟ انها ببساطة نشر الأمن الاستراتيجي عبر تلك المنطقة الشاسعة التي تطلق عليها واشنطن اسم الشرق الأوسط الكبير، ويطلق عليه الأوروبيون ldquo;الحديقة الخلفية لأوروباrdquo;. ولماذا هذا التفاؤل الكبير؟ لأن الشركاء الأوروبيين في الحلف يعتقدون بأن توجهات بول وولفويتز (وصحبه من المحافظين الجدد) الانفرادية في العالم، علقت في عنق الزجاجة العراقي. وبالتالي بات حلف الاطلسي الآن جزءا من النظام التعددي الدولي الذي اضطرت ادارة بوش الى التسليم به.

لكن لماذا اختار الحلف البوابة الخليجية، لبدء التحول الى قوة أمنية عالمية؟