خيرالله خيرالله


بعد نحو خمسة أسابيع، تكون مرت أربعة عقود على حرب يونيو- حزيران 1967 التي عرفت بحرب الأيّام الستة. الحرب التي سمّاها العرب quot;نكسةquot; تفادياً للأعتراف بالهزيمة. غيّرت تلك الحرب طبيعة النزاع في الشرق الأوسط كما غيّرت خريطة المنطقة جزئياً في أنتظار التغيير الكبير الذي سينجم عن الأحتلال الأميركي للعراق الذي أدى ألى تفتيت أحدى أكبر الدول العربية وأكثرها أهمية في المنطقة.
غيّرت حرب الأيام الستة طبيعة النزاع نظراً ألى أن الخطاب السياسي الذي كان سائداً قبل العام 1967 أختفى فترة طويلة ألى ان عاد وأطل برأسه مجدداً مع ظهور حركة مثل quot;حماسquot; تنادي بتحرير فلسطين من البحر ألى النهر ومن النهر ألى البحر ومع ظهور رئيس أيراني أسمه محمود أحمدي نجاد يدعو ألى أزالة أسرائيل من الوجود وذلك بهدف واضح كل الوضوح. أنه هدف المزايدة على العرب من أجل أحراجهم كي يقدموا على أعمال يغلب عليها طابع التهور!
لا يمكن في ايّ شكل الأستخفاف بالخطاب السياسي لquot;حماسquot; التي كانت ألى ماقبل أسابيع قليلة تسيطر كلياً على الحكومة الفلسطينية، خصوصاً أن في أستطاعة الحكومة الأسرائيلية الحالية أو تلك التي ستخلفها التذرع بهذا الخطاب لتفادي الأقدام على أي خطوة تصب في أتجاه العودة ألى طاولة المفاوضات تمهيداً للبحث الجدي في أنهاء الأحتلال. لا يعني ذلك أن quot;حماسquot; تتحمل مسؤولية أستمرار الأحتلال، الذي هو في أساس مشاكل كثيرة، ألاّ انه يعني أن الفلسطينيين وقعوا مجدداً في فخ سياسة كلّ شيء أو لاشيء التي لم تخدم للأسف الشديد سوى الأحتلال. هذا الأحتلال الذي يبحث عن فلسطينيين ينادون بتحرير كل فلسطين بصفة كونها quot;وقفا أسلامياًquot; كما يبحث عن رئيس أيراني يطالب بأزالة الدولة اليهودية من الوجود...
كان مؤسفاً أن حرب 1967 لم تكن آخر الحروب في المنطقة. لم تقدم أسرائيل بعد أنتصارها على الجيوش العربية عرضاً يؤدي ألى سلام ولم تبذل الولايات المتحدة أي جهد يذكر لكسر الجمود الذي ساد بعد quot;النكسةquot;. كان لا بدّ من حرب جديدة لأعادة تحريك الأمور في العام 1973. لكن مصر وسوريا اللتين دخلتا الحرب معا بهدف التوصل ألى سلام مشرّف ما لبثتا أن أفترقتا سياسياً، خصوصاً أن دمشق بدأت تفكر في أن الدور الأقليمي على الجبهة الممتدة من العقبة في الأردن ... ألى الناقورة في جنوب لبنان، أهم بكثير من أسترجاع هضبة الجولان المحتلة وأن مصير النظام في سوريا مرتبط بالدور الأقليمي أكثر من أي شيء آخر. وتكرّس هذا المنطق بعد نجاح الرئيس الراحل حافظ الأسد في فرض وصايته على لبنان لفترة طالت نحو ثلاثة عقود. أنتهت هذه المرحلة، مرحلة الوصاية المباشرة على لبنان، في السادس والعشرين من أبريل- نيسان 2005 نتيجة أنتفاضة السنّة في لبنان ونزولهم ألى الشارع مع أبناء الطوائف الأخرى، أي المسيحيين والدروز في الرابع عشر من مارس- آذار من تلك السنة أثر أغتيال الرئيس رفيق الحريري. ألى الآن، لا تزال دمشق تعيش عقدة الخروج من لبنان في حين وعت القاهرة باكراً أن مرحلة لعب الأدوار الأقليمية ولّت ألى غير رجعة وأن أستعادة سيناء وثرواتها أهم بكثير من الحلم بدور أقليمي أوصل صدام حسين ألى تلك النهاية البائسة وأوصل العراق ألى ما هو عليه الآن من تفتت.
غيّرت حرب الأيام الستة طبيعة النزاع. وظهر ذلك بوضوح بعد حرب 1973 حين صار المطلب العربي يتلخص بالأنسحاب الأسرائيلي من الأراضي المحتلة في العام 1967. لم تعد هناك عودة ألى خلف بعد حرب 1973 عندما أعتبرت مصر وسوريا والأردن أن السلاح الأهمّ في يد الجانب العربي هو سلاح الشرعية الدولية المتمثل في القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وما لبث الجانب الفلسطيني، ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفة كونها quot;الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطينيquot;، أن أنضم ألى المعترفين بالقرارين وحدد مطالبه بالدولة المستقلة التي يفترض أن تقام الأراضي المحتلة في العام 1967.
في أساس هزيمة 1967 عدم أدراك الجانب العربي لمعنى موازين القوى. كان هذا الجانب يعتقد بكلّ بساطة بأنّ في أستطاعته تخيّل موازين للقوى وبناء سياسته على هذه الموازين. لذلك كانت السياسات العربية قبل حرب يونيو مبنية على سراب ليس ألاّ. تعرّض الزعيم الوحيد الذي كان على تماس مباشر مع أسرائيل، وهو الملك حسين، رحمه الله، لكلّ أنواع الأتهامات لأنّه حاول أدخال بعض المنطق ألى السياسات العربية. وبدل أن يسود المنطق الذي حاول العاهل الأردني الراحل التمسّك به ونشره في محيطه، سادت الغوغاء التي أجبرته على دخول حرب، كان يعرف أنّها خاسرة سلفاً. وكانت النتيجة أن أحتلت أسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية مع أحتلالها للجولان وقطاع غزة وسيناء. أما الزعيم العربي الوحيد الآخر الذي كان يحاول حمل العرب على تغليب المنطق على كلّ ما عداه، فكان الراحل الحبيب بورقيبة الذي تعرّض لشتى أنواع الأتهامات لمجرد دعوته باكراً ألى القبول بقرار التقسيم! ولم ينصف العرب بورقيبة ألا في العام 1979 عندما أنعقدت في تونس أول قمة عربية بعد توقيع مصر معاهدة سلام مع أسرائيل!
يفترض في الجانب الفلسطيني أن يكون تعلّم شيئاً من حرب يونيو ومن كلّ الأحداث التي توالت على المنطقة. أول ما يفترض به أن يكون تعلّمه أن السياسات تبنى على موازين القوى الحقيقية وليس على الشعارات. الشعارات شيء والسياسة شيء آخر. على من يريد بالفعل مواجهة الأحتلال الأسرائيلي أدراك أن كلّ طرف من الأطراف العربية المعنية بنتائج حرب العام 1967 تصرّف بالطريقة التي تخدم مصالحه. مصر وقعت أتفاقي كامب ديفيد في العام 1978 وما لبثت ان توصّلت ألى أتفاق سلام مع أسرائيل في مارس- آذار 1979. الأردن وقع أتفاق سلام في اكتوبر- تشرين الأول من العام 1994 بعدما ذهب الفلسطينيون الى أوسلو وأستطاع ضمان حقوقه في الأرض والمياه. أما سوريا، فأنها تتصرف من منطلق أن حماية النظام فيها لا تكون ألاّ عبر أستمرار حال اللاسلم واللاحرب في المنطقة وتعتبر أن الأستيلاء على لبنان والتحكّم به أهم بكثير من أستعادة الجولان. ولا مفرّ من الأعتراف بأنها حققت نجاحاً باهراً في هذا المجال. وحدهم الفلسطينيون لا يدركون مصلحتهم. أنهم ضحايا القرار العربي الخاطئ الذي أوصل ألى هزيمة 1967 ، مثلما أنهم ضحايا السياسات العربية التي تلت الهزيمة. أنّهم الضحية الحقيقية لحرب الأيام الستة التي زادتهم تشرداً في بقاع الأرض وحولتهم وقوداً في الصراعات العربية- العربية والعربية مع دول الجوار، كأيران مثلاً.
ثمة من سيقول أن المشكلة في أسرائيل أوّلاً. هذا صحيح، نظراً ألى أن الدولة اليهودية تسعى ألى تكريس أحتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشريف. لكن الصحيح أيضاً أن على الفلسطينيين أن يظهروا ولو لمرّة واحدة أنهم قادرون على أدارة شؤونهم بأنفسهم. أنسحبت أسرائيل من قطاع غزة. ماذا كانت النتيجة؟ هل يجوز أن تستمر فوضى السلاح في القطاع. هل يجوز أن يبقى الصحافي البريطاني الان جونستون مختطفاً منذ الثاني عشر من مارس الماضي وأن يتصرف رئيس الحكومة أسماعيل هنية وكأنّ الأمر أكثر من عادي وأن الصحافي مذنب لأنه أصر على تغطية أخبار فلسطين من الأراضي الفلسطينية وليس من أسرائيل؟
بعد أربعين عاماً على حرب الأيّام الستة، يكاد المرء يقول أن كلّ طرف في المنطقة يعمل من أجل مصلحته، في حين أن الفلسطينيين لم يتعلّموا شيئاً وهم على أستعداد يومي لتأكيد ذلك!