تركي بن عبد الله السديري

علاقتي بالمرحوم معالي الأستاذ ناصر المنقور أستطيع أن أصفها بالمتباعدة المسافات وفي جوانب أخرى أجده القريب كما لو كنت أراه كل يوم..
عرفته عبر عمله الرسمي في الخارج وإن فاتني أن تكون هذه البداية حينما كنت تلميذاً حيث كان وقتها مسؤولاً مرموقاً عن التعليم وأحد قلائل وضعوا أسس تطويره.. عرفته شخصياً في مكتبه بلندن كسفير للمملكة هناك، كان يتأصل عنده الشعور بأنني ألتقي بالمسؤول والمواطن في آن واحد.. وتداخل صفة المواطن بأداء المسؤولية إنما هو تأكيد الولاء للواجب ونزاهة التعامل مع كل فروعه وأبعاده.. والعجيب أنه حين تجد بعض السفراء ينشغل بما يجعلك تواجه صعوبة التعرف عليه مع أن حكاية الانشغال غير مقنعة لكننا نبرر بها الغياب المصطنع فإن المرحوم ناصر المنقور كان الحريص جداً وبتلهف لأن يعرف من أتى إلى لندن من أصدقاء.. من وجوه مجتمع.. من رجالات اقتصاد.. من وجوه ثقافية لكي يرتب التقاء مجموعة في ضيافته بأحد الأماكن الراقية ولا تستطيع أن تدعوه في الموعد اللاحق قريباً لأنه وقتها يكون قد رتب دعوته لعدد آخر من الوجوه الاجتماعية..

أصدقاؤه يعرفون ذلك.. يكفي أن تأخذ فنجان القهوة مع السفير المثقف المحترم لكي يجمعك الوقت سريعاً بمن لا تدري أنهم في لندن.. هكذا.. تحريك حيوي وأخوي لعلاقات الود مع الآتين إلى أرض الضباب والمطر..

يفترض في مجال العلاقة الآخر معه أن يكون كثير الاتصال بمسؤول الجريدة التي ساهم في تأسيسها وكتب افتتاحية عددها الأول quot;الرياضquot; لكي يعرف كم خسرت وكم ربحت.. لم يكن يفعل ذلك إطلاقاً لكنه يبتهج حين تجمعك به صدفة لقاء ثم يأتي الحديث عن الجريدة الشابة ثم الناضجة فيطرب لإنجازات التفوق الإعلامي والمهني قبل أن تعنيه مسألة الأرباح.. وعندما تعرضت المؤسسة لبعض الاحتكاكات الخشنة نتيجة رغبة بعض الأعضاء - وهم عدد قليل - تقليص مشاريع التطوير بما في ذلك التفريغ الصحفي وهو ضرورة دون شك ثم انتهت تلك الأزمة سريعاً وبتفاهم ودي أرضى الجميع فإن المرحوم ناصر المنقور كان يهمه أن تكون للجريدة مشاريع انتشار صحفية وثقافية وإعلامية واستراتيجية تفوقها تعطيها الأولوية - وهو ما حدث - وقد واصل هذا الاهتمام مقدراً كل جهود التطوير..

أليس من الرائع أن تجد من الرجل في المكان البعيد أفكار المشاركة الإيجابية ومشاعر التعاطف وهو ما فعله رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته..