باقر النجار

تدخل الكويت انتخاباتها البرلمانية في نهاية شهر مايو القادم وسط ترقب من كل الأطراف الداخلة في العمل السياسي بتلاوينهم ومسمياتهم المختلفة. ولأكثر من عقدين من الزمان درج الكويتيون على أن تكون دوائرهم خمسا وعشرين تبادل الثقل فيها الجماعات السياسية والاجتماعية الكويتية المختلفة إلا أن نتائجها في العموم كانت تميل لصالح القوى الاسلامية والقبلية الكويتية.
هذا الثقل الذي جاء على شكل تحالف خدم مجموعة من أهداف الجماعتين على المستوى السياسي والخدماتي. وقد مارست القوى السياسية الكويتية ضغوطا من أجل تغيير الدوائر الانتخابية تكلل بعد الانتخابات الأخيرة بتقليص عدد هذه الدوائر إلى خمس دوائر.

وقد دفع التخطيط الجديد للدوائر القوى الاسلامية وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين والسلف للبحث عن تحالفات مع التجمعات القبلية في الدوائر الخارجية وتحديدا في الدائرة الخامسة والسادسة.

وكان رفع عدد الدوائر في ثمانينات القرن الماضي من عشر إلى خمس وعشرين دائرة، قد قصد منه تقليص حجم ونفوذ وقوة بعض القوى السياسية الكويتية المعارضة وتعضيد قوة القوى والتعاضديات المساندة. إلا ان مثل ذلك لم يكن كذلك خلال الجولات الانتخابية الأخيرة والتي أفرز رغم كل ما يقال مجلسا اعتبره البعض قويا مقابل السلطة التنفيذية ومشاكسا لها أو معطلا لأعمالها.
وهو مجلسا قد سيطر عليه تحالف القوى الاسلامية والتعاضديات القبلية، هذا التحالف الذي بات شرسا قبالة الدولة والقوى المدنية الأخرى.
وعود على بدأ فإن متغيرات مثل القبيلة والطائفة من ناحية والانتساب الحضري مقابل الانتساب البدوي من ناحية أخرى قد مثلوا المتغيرات الحاكمة والمتصارعة على مقاعد المجلس، وهي متغيرات وإن بدت قابلة للوهن في بعضها مع التوزيع الجديد للدوائر الانتخابية، إلا إن التضامنيات التقليدية: القبيلة والمذهبية قد بدأت محاولاتها في التخفيف قدر الإمكان من التأثيرات السلبية المتوقعة من التقسيم الجديد للدوائر على حصصها التمثيلية داخل المجلس وهو أمر قد لا تستطيع هذه القوى تفاديه بالكامل إلا أن نتائجها في الانتخابات القادمة قد تعطيها، أي التضامنيات، مخارج للالتفاف حولها أو أبطال مفعولها السلبي عليها وهو أمر قد بدأته بالفعل على الأرض. فالفكرة التي خرجت بها قبائل العجمان والمرة لإجراء انتخاباتها الفرعية والأفكار المطروحة حول توظيف الوسائط التكنولوجية إن هي إلا مقدمات لعملية الالتفاف هذه، وهو أمر بات مشجعا للقوى القبلية الأخرى لولوجه.
فالقوة التي جاءت على التضامنيات التقليدية خلا ل العقد ونيف الماضيين كما هي القوى الاسلامية بات مكسبا لها من غير الممكن أن تتنازل عنه بالسهولة الممكنة. وإن تحالفها مع القوى الاسلامية قد يقلل من الضرر الذي يمكن أن يأتي عليهما إلا أته قد لا يستطيع منع حدوث الضرر على الأقل خلال الانتخابات القادمة.
أي بمعنى آخر أن تبني منحى تقليص الدوائر إلى خمس قد يكون الهدف منه تقليص قوة بعض القوى المشاكسة في المجلس الحالي، إلا أنه بالمقابل لن يضعف من تحالف القوى الاسلامية والتضامنيات القبلية، هذا التحالف الذي جاء ليخدم القوى الداخلة فيه من ناحية أو أن يوجه ضد إطراف وأجنحة داخل مؤسسة الحكم أو ضد بعضا من القوى السياسية والاثنية الأخرى. وهو في هذا قد يحد من ظاهرة نقل الأصوات إلا أنه لن يقضي على ظاهرة الفرعيات والمال السياسي.
و يبدو ان القوى المدنية ومن غير الاسلامية ونتيجة لحالة الوهن الذي أصابها خلال العقدين الماضين: بفعل الخمود الفكري والتشتت التنظيمي، لن تستطيع اختراق حالة العجز بسهولة المقدرة من قبلها، وإن كانت الدوائر الخمس مطلبا سياسيا لها.
فغير المحسوب بالنسبة لهذه القوى إن الدوائر الخمس قد تساعد القوى المنظمة والماسكة لمفاتيح انتخابية كثيرة بل القادرة على التمويل الشرعي واللا شرعي للانتخابات وبالتالي إحداث الاختراق المطلوب، وهو الأمر الذي قد تكون بعضا من القوى المدنية مالكة له إلا إن المعروف إنها عناصر قد تكون مملوكة من قبل القوى الاسلامية وممكنة الحصول عليها عند التضامنيات القبلية عبر تحالفها مع القوى الاسلامية وأطراف في مؤسسة الحكم.
فارتفاع عدد الكتلة الانتخابية في الدائرة الانتخابية وفق النظام الجديد بالإضافة لاختلاط المرجعيات الحاكمة للتوجهات التصويتية لهذه الكتل قد يقلص من قوة بعض القوى كالشيعة والجماعات القبلية إلا أنه لن يأتي بالكامل في صالح القوى الليبرالية والاسلامية السنية.

فلازالت مرجعيات القبيلة والطائفة والطبقة والانتساب الجهوي (المديني والبدوي) عناصر حاكمة في التوجهات الانتخابية في المجتمع الكويتي رغم بروز كتلة انتخابية شبابية واسعة ورغم دخول المرأة في هذه الكتلة. وإذا ما كانت القوى القبلية قادرة على إعادة نسج تحالفاتها وفق خطوط القبيلة ـ الوطن فإن القوى المدنية مازالت تعاني من شرخ العصبيات السائدة في أوساطها، وهو أمر لن يعطيها القوة المؤملة في المجلس القادم وإن أمكنها إحداث قدر من الاختراق له.