محمد عيادي
يعتقد البعض أن خطورة الاعتراف بيهودية إسرائيل كشرط للاستمرار فيما يسمى بمفاوضات السلام، والتفضل على السلطة الفلسطينية بقبول تجميد مؤقت للاستيطان، تكمن فقط في قضية ما يعرف بعرب إسرائيل وضياع حقوقهم واحتمال تشريدهم عن أرضهم، وإقبار ملف عودة اللاجئين، والطابع الفاشي والعنصري للتعديل الذي طال قانون الجنسية الإسرائيلي.
والحقيقة أن الأمر أخطر من ذلك وأبعد بكثير، فمن جهة ستواصل حكومة الكيان الإسرائيلي مسلسل التضييق، بدليل أن الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي ستدرس سلسلة مشاريع قوانين جديدة تسعى لخنق فلسطينيي الداخل، وعلى رأسها مشروع quot;المواطنة وخرق الولاءquot; القاضي بسحب المواطنة ممن يُدان بعدم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وبالتالي فتح باب التشريد والطرد على مصراعيه، لأن لسلطة الكيان الإسرائيلي صلاحية تفسير مفهوم ومقتضيات الولاء على هواها.
ومن جهة أخرى فإن الاعتراف بيهودية إسرائيل أو أنها وطن قومي لليهود يعني ما يلي:
1- تحقيق جزء كبير من الحلم الصهيوني الذي عملت الحركة الصهيونية لأجله أكثر من عشرة عقود من الزمن، وهذا سيعطي الكيان الإسرائيلي المشروعية لمواصلة تحقيق الأجزاء المتبقية من الحلم الصهيوني.
2- ضرب عرض الحائط بعقود من المقاومة العربية والفلسطينية للمشروع الصهيوني منذ احتلال فلسطين.
3- أن الاعتراف بيهودية الكيان الإسرائيلي سيكون بمثابة نكبة جديدة تشابه نكبة الاحتلال وإعلان قيام الدولة العبرية وقرار التقسيم سنة 1948 وما تلاها من نكبات.
4- أنه سيصبح من حق إسرائيل -ربما- أن تطالب الفلسطينيين والعرب في المحافل الدولية بالتعويضات عن الفترة السابقة، بعد الاعتراف بأن ما كان أرضاً محتلة بات وطناً قومياً.. قد يكون هذا توقعاً أو مشهداً سريالياً، لكنه غير مستبعد مطلقا في ظل الطريقة والشروط التي تدير فيها وبها السلطة الفلسطينية بموافقة بعض الدول العربية المفاوضات مع الدولة العبرية.
بالتأكيد -أقول لنفسي- إن السلطة الفلسطينية ورئيسها السيد عباس أبو مازن يستحضرون التداعيات الخطيرة لمسألة الاعتراف، ولذلك رفضوا ولن يقبلوا بذلك، لكن بعض التصريحات تبعث على القلق من قبيل قول أبو مازن في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة فنلندا تاريا هلونن برام الله الخميس الماضي: quot;قلنا أكثر من مرة وسئلنا أكثر من مرة، وقلنا إننا اعترفنا بإسرائيل عام 1993 من خلال ورقة الاعتراف المتبادل بيننا، ونحن معترفون بإسرائيل، ولكن إذا أرادوا أن يسموا أنفسهم أي اسم آخر فعليهم مخاطبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهذا شأنهمquot;.
ومبعث القلق أنه يعتقد أن مشكلة الاعتراف بيهودية الكيان الإسرائيلي مشكلة تسمية فقط -أو هكذا يبدو- ويرمي بالكرة إلى المجتمع الدولي، ولأن هذا الأخير مرهون لموازين القوى العالمية التي لا تخدم المصالح العربية والفلسطينية، فسيسارع إلى موافقة الكيان هواه، وهذا الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال يوافق ضمنيا بتأكيده على أن الأهم بالنسبة له أن يضمن الكيان الإسرائيلي المساواة بين جميع مواطنيه بغض النظر عن الديانة.
والمصيبة في كل هذا أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال ماضية في مشاريعها الاستيطانية، وتفرض الأمر الواقع، فيما السيد عباس أبو مازن متفائل بإقناع واشنطن حكومة نتنياهو بوقف الاستيطان، معتبراً أن وقفه أو تجميده quot;ليس شيئا كثيراًquot;. وما كاد ينهي تصريحه هذا خلال لقائه مع الرئيسة الفنلندية، حتى كشف مدير دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق بالقدس المحتلة خليل التفكجي النقاب عن مخطط إسرائيلي جاهز لإقامة 13 ألف وحدة استيطانية جديدة بالأراضي المحتلة، وسارعت وزارة الإسكان الإسرائيلية أمس لطرح مناقصة لبناء 238 وحدة سكنية جديدة في حيين استيطانيين بالقدس الشرقية.
رحم الله الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.. قاوم المشروع الصهيوني بالسلاح، وانتقل للمقاومة بالسياسة أملاً في تحقيق ما يمكن تحقيقه من حقوق الشعب الفلسطيني، وبقدر ما كان مؤمنا بإمكانية تحقيق السلام حسب رؤيته عبر مسار المفاوضات، كانت له خطوط حمر لا يمكن تجاوزها، وحقوق لا يمكن التفريط فيها، لأن التفريط فيها تفريط في القضية برمتها، وهو الأمر الذي فهمته جيدا حكومة شارون يومها، فكان ما كان من حصاره، وباقي القصة معروف لا حاجة للتذكير به، فهل يعلنها السيد عباس مدوية بأن يستقيل من الرئاسة ويحل السلطة الفلسطينية رداً على الشرط الإسرائيلي ومواصلة الاستيطان كما طالب بذلك فلسطينيون.
التعليقات