ممدوح طه


في الأسبوع الماضي كشف موقع laquo;ويكيليكسraquo; الموجة الثانية لوثائق البنتاغون السرية حول أهوال وجرائم الحرب لقوات الاحتلال الأنجلوأميركية وعملائها المحليين وشركاتها الأمنية ضد المواطنين العزل وضد وحدة العراق العربية، وكان الموقع قد كشف في الموجة الأولى تلك الجرائم الحربية والعمليات القذرة لقوات الغزو الأطلسية ضد المدنيين العزل في أفغانستان الإسلامية..

وفي كل يوم تتكشف وثائق سرية أميركية جديدة لتضع النقاط على الحروف في أوراق إسرائيلية قديمة تفك ما قد يعتبره البعض ألغازاً، وتفضح المتآمرين والمجرمين في الخارج والداخل، وتكشف مزيداً من الأسرار في الحرب الصهيوأميركية الخفية والسافرة ضد العرب والمسلمين، وتشير بأصابع الاتهام في وقائع محددة للأعداء وللعملاء على السواء.

خصوصاً بالغزو والاحتلال والعدوان، وبارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفي إشعال الحروب الأهلية بسيناريوهات انفصالية شريرة في عدد من الدول العربية الفاعلة في الصراع العربي الصهيوني القريبة والبعيدة عن فلسطين المحتلة على السواء، لإعادة رسم الخرائط الشيطانية في المنطقة العربية استكمالاً لمؤامرات التقسيم الأنجلوفرنسية للوطن العربي في (سايكس بيكو) عام ,1916.

وفي الأسبوع الماضي عرضت جانباً من اعترافات إسرائيلية رسمية نشرتها الصحف العبرية وبعدها الصحف العربية عام 2008، على لسان آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الصهيوني في حكومة أولمرت، يكشف فيها الغطاء بلا مواربة عن الدور التآمري الإسرائيلي بدعم أميركي سافر وإسناد أوروبي مستتر ضد الدول العربية وخاصة ضد وحدة السودان..

واليوم أعرض لجانب آخر من الاعترافات الإسرائيلية التي تكمل مع الوثائق السرية التي كشفها موقع ويكيليكس طبيعة تلك الحرب القذرة الخفية والمعلنة ضد الشعب العراقي العربي المسلم كجزء من حروبهم ضد الشعوب العربية والإسلامية.

حيث عرض laquo;ديخترraquo; في محاضرته التقديرات الإسرائيلية الاستراتيجية للموقف الأمني في الساحات المحيطة بإسرائيل والخطط التقسيمية والفتنوية الطائفية والمذهبية والعرقية المطلوب اتباعها صهيونياً لضرب الأمن القومي العربي لضمان الأمن الصهيوني، بادئاً بالحديث عن فلسطين ثم لبنان وسوريا، مروراً إلى العراق وإيران، منتهياً بتقديراته للسيناريو الصهيوني تجاه السودان ثم مصر.

حول الدور الإسرائيلي في العراق كشف وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق ديختر بنص أقواله النقاط التالية:

laquo;لقد حققنا في العراق أكثر مما خططنا وتوقعنا.. إن العراق تلاشى كبلد متحد وكقوة عسكرية، وخيارنا الاستراتيجي هو بقاءه مجزءاً..

إنّ تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية تشكل أهمية استراتيجية للأمن الصهيوني. إن تحليلنا النهائي وخيارنا الاستراتيجي هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسماً ومعزولاً داخلياً بعيداً عن المحيط الإقليمي العربي والإسلاميraquo;.

ويواصل الوزير الإسرائيلي قائلاً laquo;ذروة أهداف إسرائيل هو دعم الأكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الأمنية لتأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان.

إسرائيل لم تكن بعيدة عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003، وهدفنا الاستراتيجي مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي لأننا نحن أول المتضررين. سيظل صراع إسرائيل على هذه الساحة فاعلاً طالما بقيت القوات الأميركية التي توفر لنا مظلة وفرصة لكي تحبط أية سياقات لعودة العراق إلى سابق قوته ووحدتهraquo;.

ويضيف قائلاً laquo;نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسي والأمني لتحييد العراق في الصراع ضد إسرائيل عن طريق تكريس أوضاعه الحالية، إن تحييد العراق ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملاً كاملاً.

كان من المستحيل على إسرائيل أن تحققه بالقوة ضد العراق، فقامت الولايات المتحدة بما لم يكن بمقدورنا القيام به إلا بوسيلة واحدة وهي استخدام ما بحوزتها من laquo;السلاح النوويraquo;!

انتهى الاقتباس.. ليبدأ فصل الالتباس لدى الذين لا يجيدون إلا جلد الذات وتحميل المجني عليه المسؤولية سواء في العراق بالأمس أو في السودان اليوم، ويبرّئون الجاني الذي كفانا باعترافاته عناء البحث الطويل والجدال العقيم، وليتضح مما عرضت من اعترافات ديختر للذين يتعامون عن المتآمرين الحقيقيين على وحدة وسلامة وسيادة العراق والسودان وغيرهما هم نفس المتآمرين المجرمين، بنفس السيناريو الأسود ولذات الأهداف الشريرة.

أليست هذه المؤامرة على العراق بالأمس هي نفس المؤامرة على السودان اليوم، وهو ما حدده المسؤول الإسرائيلي الأمني الأول من هدف صهيوأميركي ضد السودان بقوله بالحرف الواحد:

laquo;الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية لأنه بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية، وأنه يجب ألا يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي.. لأن سوداناً ضعيفاً ومجزأً وهشاً أفضل للأمن القومي الإسرائيلي من سودان قوي وموحد وفاعلraquo;.

وهي السياسة الإجرامية الاستراتيجية نفسها التي اتبعها الحلف الإسرائيلي الأميركي بدعم laquo;الناتوraquo; ضد اللاحلف العربي الإسلامي في كل البؤر المشتعلة أو المتفجرة بفعل تلك المؤامرات الاستعمارية الفتنوية ونتيجة لعدم الرد الجماعي العربي الإسلامي الجدي لمواجهتها ومعاقبة مرتكبيها، سواء في أفغانستان وباكستان، أو في فلسطين والعراق واليمن ولبنان أو في الصومال والسودان.

ليبقي السؤال.. أليست الاستجابة الجدية لهذا التحدي التفتيتي هي الواجبة الآن؟ وهل من استجابة حقيقية لتحدي مؤامرة الفتنة والتقسيم سوى laquo;الوحدةraquo; أو حتى laquo;الاتحادraquo; العربي والإسلامي، لإحباط تلك المؤامرة الواحدة ضد كل الأجزاء؟!