راجح الخوري
ماذا يعني أن يقف جون برينان كبير مستشاري الرئيس الاميركي باراك اوباما لشؤون الامن ومكافحة الارهاب، ليعرب عن امتنان الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية، التي وفّرت معلومات ساعدت على إحباط عملية تفجير الطائرتين فوق شيكاغو بواسطة الطرود الناسفة التي شغلت العالم في الايام الاخيرة؟
وماذا يعني ان تفيض الصحف الاميركية ومحطات التلفزة بالثناء على سهر الرياض ووعيها ونجاحها التصاعدي في التصدي للتحدي الارهابي ومعالجة هذا الخطر الذي يقضّ مضاجع دول العالم؟
في المعركة ضد الارهاب ثمة ما هو اهم من توجيه الشكر والاشادة والثناء وما الى ذلك. ثمة ما هو اعمق واكثر فائدة في معالجة الخطر الارهابي ونزع ذرائعه وتعريته وقطع دابره.
واذا كان خادم الحرمين الشريفين قد حرص دائما على التأكيد ان الاسلام هو دين التسامح والوسطية، داعيا الى الابتعاد عن الغلو والتطرف، فان المملكة كانت حتى الآن، وباعتراف كل الدول، سباقة في كسب معركتها ضد الارهاب، عبر سياسة تراوح بين الحزم والتوعية واعادة التأهيل.
وهي عندما تواصل السهر على مكافحة الارهابيين وافشال خططهم، فانها تفعل ذلك اولا على اساس تأكيد دورها الريادي في هذه المسألة الحساسة وخصوصا بعد هجمات 11 ايلول 2001 التي حاولت الصهيونية استغلالها لتشويه صورة المملكة والاسلام والدفع نحو صدام بين المسيحية والاسلام على نطاق كوني تستفيد منه اسرائيل.
وثانيا على اساس اداء دورها المسؤول عن الاستقرار والهدوء، سواء داخليا او اقليميا او على نطاق دولي، وهو دور يتقدم ادوار كل الدول تقريبا، من منطلق انها مهد الاسلام ومرجعه الاساسي وحاميه.
❑ ❑ ❑
واذا كانت اللياقة بين الدول هي التي تملي على مسؤولين كثر في اميركا توجيه الشكر الآن الى السعودية والملك عبدالله، فإن ذلك يبدو مفيدا وضروريا بعدما مضت الصهيونية بعيدا في محاولات تشويه صورة المملكة والاسلام عموما داخل اميركا وفي المجتمعات الغربية عموما.
ولكن ثمة فعلا ما هو اهم من الشكر والامتنان. فالملك عبدالله الذي اختارته مجلة quot;فوربسquot; كثالث اقوى الشخصيات تأثيرا في العالم بعد الرئيس الاميركي باراك اوباما والصيني هو جينتاو، لا يحتاج عمليا الى من يقدم له الثناء والشكر لسهره على الاستقرار والامن ومحاربة الارهاب وصون صورة الاسلام، لكنه يحتاج عمليا الى من يمد له يد المساعدة الصادقة والحقيقية، لمعالجة ازمة الشرق الاوسط المزمنة وقد تحولت بؤرة للآلام والمظالم والاضطهاد والعسف والعنصرية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما ولّد الاحقاد والكراهيات واعطى المتطرفين والارهابيين حججاً ومسوّغات عندما حاولوا ربط جنوحهم إلى العنف والارهاب بالقضية الفلسطينية والقضية منهم براء!
صحيح ان القضية الفلسطينية ليست منطلق هؤلاء، لكنهم جعلوا منها قناعا، على اميركا والمنخرطين في مكافحة الارهاب مساعدة الرياض في نزع هذا القناع بما يضعف الارهاب ويدفعه الى الوهن والانهيار.
❑ ❑ ❑
وعندما يكون الملك عبدالله ثالث اقوى الشخصيات تأثيرا في العالم فليس لانه يسجل الانتصارات في المعركة ضد الارهابيين، بل لانه يسهر على بلورة دور ريادي للمملكة عبر سلسلة واسعة من الاصلاحات في القضاء والتعليم الجامعي وخطط التنمية، وفي الاهتمام بدفع الحوار المسيحي ndash; الاسلامي على نطاق عالمي، كما في جعل السعودية احدى دول قائمة العشرين التي تملك اقوى الاقتصادات العالمية.
توجيه الشكر ضروري بعد المساعدة السعودية، التي لولاها لوقعت كارثة مروعة فوق شيكاغو بلدة الرئيس اوباما، لكن انخراط اميركا في تحمل مسؤولياتها حيال القضية الفلسطينية وعلى قاعدة quot;المبادرة العربية للسلامquot; التي سبق ان قدمها الملك عبدالله وتبنتها القمم العربية، يساعد كثيرا في قطع الطريق على الارهاب والارهابيين الذين يستغلون آلام الضحايا في فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان واليمن حيث انطلقت الطرود المفخخة وغيرها لتزخيم العنف والشر.
التعليقات