المشاغبون في الحج

فارس بن حزام
الرياض
مثل كل عام، يتجدد الحديث عن القلاقل في موسم الحج، من دون تحديد الجهة الناوية بالتخريب؛ quot;القاعدةquot;، quot;الحوثيينquot;، إيران، أو غيرهم من الذين لا يحملون وداً للمملكة.
والمشهد في المشاعر المقدسة، بعشرات آلاف الجنود والأسلحة والآليات ومثلهم المخبرون، يعزز النظرة القائلة بخطر يحدق بأهم الأيام التي تعيشها السعودية سنوياً. فتخريب موسم الحج بقنبلة أو انتحاري أو غيرهما لا يزول أثره سريعاً. فالمشاغبون يعلمون جيداً أن قنبلة واحدة في موسم الحج تحدث دوياً يتجاوز عشرات القنابل في غيره. لذا لا مبالغة في هذا الكم الأمني الظاهر والمخفي لحماية الموسم السعودي الأغلى.
وزير الداخلية تحدث صريحاً عن قلق أمني في موسم الحج، وقلقه ليس وليد اللحظة، فهو متكرر منذ عدة مواسم، تعالجه الوزارة بهذا الحضور الأمني الطاغي على المشهد، والذي من أسبابه ما حدث في حج العام 1987 من الحجاج الإيرانيين، وما خططوا له قبل ذلك بعامين، وما تخطط له quot;القاعدةquot; منذ سنوات قريبة.
ولعل اللافت في المشهد الأمني الكامل لموسم الحج الحالي، التعليق السريع الصادر من تنظيم quot;القاعدةquot; في اليمن، إذ زعم التنظيم أن الحكومة السعودية تتهمه ظلماً، بالتخطيط لاستهداف الحج. ومن نص ما قاله: quot;نبين لأمتنا المسلمة: بأن طليعتها المجاهدة تبرأ إلى الله من كل من يقوم بالتعدي على الكعبة المشرفة، وعلى حجاج بيت الله الحرام، وأن الحج هو فريضة من فرائض الإسلام، وأننا أحرص الناس على دماء المسلمين في أي مكان كانواquot;.
حقيقة، لا أعلم من أي برج يتحدث القائمون على التنظيم ومن خلفهم؟! فالقول بحرمة دماء المسلمين تنفيه سيرتهم، وسيرة من قبلهم، فلا أحد ينسى عهدهم السابق بقيادة جهيمان وما فعله في قلب الحرم المكي وعلى منابره وفي صحن كعبته المشرفة. وإذا أتينا إلى الزمن الحاضر، فلا يمكن حصر عدد المساجد المستهدفة في العراق وباكستان، والبيانات الرسمية التي تتبنى العمليات، وآلاف الضحايا، الذين راحوا وهم سجّد وركوع. فعن أية حرمة دماء يتحدث التنظيم؟
والصورة القريبة في مكة المكرمة تكشف عن تفخيخ المصاحف وتجهيز الانتحارية اليمنية، لاستهداف أحد الشخصيات الدينية أثناء أحد دروسه في قلب الحرم المكي العام ألفين وثلاثة. فعن أية حرمة دماء يتحدث التنظيم؟!
هناك شيء ثابت، تؤكده quot;القاعدةquot; بفعلتها المعلنة، وغيرها من المشاغبين بأفعالهم الخفية، أن الأمن المكثف في المشاعر المقدسة، هم من أسبابه.
الحج والوحدة العربية!
محمد بن علي الهرفي
عكاظ السعودية
كان من الأفضل أن يكون عنوان مقالي: laquo;الحج والوحدة الإسلاميةraquo; لكنني أعرف أن هذا الطموح صعب المنال في هذا الوقت فأردت أن أقلل من هذا الطموح لأجعله قاصرا على العرب ولعله ــ إن حصل ــ يكون مدخلا لوحدة إسلامية شاملة تعيد للمسلمين عزتهم التي فقدوها زمنا طويلا.. الحج ــ كما نعرف ــ ركن من أركان الإسلام، لكنه الركن الذي يؤكد على وحدة المسلمين منذ بداية حجهم وحتى نهايته.
ملابس الحجاج متشابهة، وحركاتهم لايختلف بعضها عن البعض الآخر، ودعواتهم قد لايختلف بعضها كثيرا عن البعض الآخر.. بساطة في المظهر لاتكاد تفرق بين غني أو فقير، أو كبير في منصبه أو صغير، فالمسلمون كلهم أمام الله سواسية، بطبيعة الحال ليس في الحج وحده بل في سائر أمورهم.
نداء إبراهيم عليه السلام جعل كل مسلم يبذل الكثير لكي يلبي هذا النداء الكريم، البعض يأتي ماشيا آلاف الأميال، والبعض ينفق معظم ما يملك لكي يتمكن من أداء حجه، بل إن بعضهم يأتي متمنيا أن يموت في الديار المباركة وفي هذا الموسم العظيم.
موسم الحج موسم عبادة ــ لاشك في ذلك ـ لكنه في الوقت نفسه موسم عمل وتجارة وبحث في شؤون المسلمين بصفة عامة.
ولعلي أذكر القارئ الكريم أن رسولنا ــ عليه الصلاة والسلام ــ وفي حجة الوداع تحدث إلى المسلمين في laquo;خطبة الوداعraquo; عن أهم القضايا السياسية والاجتماعية، كما تحدث عن حقوق المرأة، وعن الاقتصاد، وحث الجميع على وحدة الصف، وعن كل ما يهم المسلم في دينه ودنياه، وهنا فمن الواجب أن يقتدي المسلمون بنبيهم ــ عليه الصلاة والسلام ــ في بحث كل قضاياهم في هذا الموسم الكبير وبعد عبادة أساسية في دينهم.
نتحدث عن الوحدة وأهميتها ولكننا ــ للأسف ــ لانفعل ما يجب علينا فعله تجاه تحقيق الوحدة في حياتنا.
وبأمثلة بسيطة نرى أن دولة السودان توشك أن تصبح دولتين، ونرى الأيدي الصهيونية والصليبية تتعاونان لكي تفتت السودان، ولكي يصبح لهما وجود حقيقي وقوي في هذه الدولة العربية المسلمة.
نعرف جميعا أن هذا الوجود لن يكون في مصلحة العرب جميعا فضلا عن مصلحة السودان ومصر، ونعرف جميعا كيف أن دولة الجنوب المفترضة ترحب بعلاقات مع الصهاينة ومع كل من وقف معها لتحقيق الانفصال.. أي أمريكا تحديدا لأنها وراء ذلك كله.
وفي اليمن صراع طويل، فالجنوبيون يطالبون بالانفصال، والحوثيون يريدون الشيء نفسه وإن لم يعلنوا عنه صراحة، والقاعدة تعيث في الأرض فسادا.. ونعرف أن هناك أيدي خارجية تساعد في ذلك كله بالإضافة إلى عوامل داخلية أخرى.. لكن ــ الأهم ــ أن اليمن تتعرض لضغوط كبيرة لإنهاكها من كل وجه.
أما العراق فتعيش حالة في غاية السوء، آلاف القتلى والجرحى، وملايين المهجرين في كل اتجاه، وفساد هائل في إدارة البلاد.
وتقسيم العراق أمر غير مستبعد، فالشمال أصبح دولة شبه مستقلة، والجنوبيون تراودهم الآمال بدولة مماثلة، والوسط يعيش حالة فوضى.
المليشيات من كل نوع، فهذه تابعة لهذا، وتلك تابعة لذاك، وثالثة تمثل دولة العراق الإسلامية !! والنتيجة بؤس في كل مكان يعاني منه كل العراقيين إلا المجموعة القليلة المستفيدة من هذه الأوضاع فهي ــ وحدها ــ من يدافع عن وضع العراق الحالي.
دعوة خادم الحرمين ــ وفقه الله ــ جاءت في وقتها، وأراد لها أن تكون بعد الحج مباشرة لعل الله أن يصلح الأحوال، ويعيد العراق المجيدة لواقعها العربي، ولدورها الكبير.. لكن البعض رحب بهذه الدعوة وآخرون رفضوها خشية من نتائجها، ولو أنهم استجابوا ــ وآمل ذلك ــ لكان خيرا لهم.
وفي المغرب الكبير اختلاف بين الجزائر والمغرب، وبين المغرب والصحراويين، كل ذلك يشكل قلقا لكلتا الدولتين، كل ذلك ــ أيضا ــ وفوقه القاعدة في بلاد المغرب!!.
مرة أخرى.. أو يمكن أن نستفيد من الحج في إنهاء كل تلك الخلافات؟! ثم أليس من المفيد أن يكون بين العرب جميعا وحدة سياسية واقتصادية وعسكرية؟! أليس من المفيد أن يكون بينهم ــ أيضا ــ وحدة ثقافية تقلل الاختلافات بينهم؟!.
ما الذي يحول دون ذلك، مع أن الكل سيكون مستفيدا ؟!.
أمام العرب عدو مشترك؟ إسرائيل تعمل لإضعاف الجميع، بل إنها تطمع في أكبر من ذلك، ووحدة الصف العربي ستحول دون تحقيق أطماعها.
الوحدة جزء من ديننا، فالمسلمون يجب أن يكونوا صفا واحدا، ومثل الجسد الواحد، ولولا أهميتها لما أوصانا الإسلام بذلك في مواضع كثيرة.
أليس من العقل والمنطق أن نبدأ جادين في تحقيق كل الخطوات العملية لنكون يدا واحدة، وليكون لنا شأن في هذا العالم الذي لايحترم إلا الأقوياء ؟!!.