محمد عبدالله محمد
كَسَرَ العراق القاعدة. كَسَرَ القاعدة (ذلك التنظيم الإرهابي). وكَسَرَ القاعدة (بتقدّم الليبراليين ضد الإسلاميين في عدد من المحافظات). وكَسَرَ القاعدة (بتمثيل منتسبي المذاهب لأغيارهم في العقيدة كما جرى في تمثيل العرب السُّنّة لإياد علاوي).
وكَسَرَ القاعدة (في عدم قدرة المرجعية الدينية بما لديها من نفوذ على حشد التصويت كما يجب في أهم مدينتين مقدستين وهما كربلاء والنجف). وكَسَرَ القاعدة (في عدم قدرة تيارات قويّة كالتيار الصدري والمجلس الأعلى لأن ينالا فوزا مُريحا).
في الكَسْر الأول فقد كان التحدّي لتهديدات القاعدة للمصوّتين جليا ونتيجته ظافِرة. فالتهديدات وضحاياها (37 قتيلا) وسقوط أكثر من سبعين قذيفة من أوّل يوم في الاقتراع لم تمنع العراقيين (وبالخصوص في المناطق السُّنّية التي ينشط فيها هذا التنظيم) من الذهاب للتصويت. بل وسجّلت تلك المحافظات النسبة الأعلى في الاقتراع، مُتفوّقة على نظيراتها من المحافظات الشيعية في الجنوب.
ففي محافظتي صلاح الدين وديالى بلغت نسبة التصويت 73 في المئة، وفي محافظة نينوى بلغت 67 في المئة وفي محافظة الأنبار 61 في المئة. بل وجيّش أئمة المساجد هناك الناس في حركة مُضادة لدعوات القاعدة، للمشاركة الكثيفة في التصويت. وهو ما يعني الفصل التام بين خيارات القاعدة وخيارات هذا المُكوّن ومصيره ومستقبله ورؤيته حتى.
وفي الكَسْر الثاني تقدّم الليبراليون في القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي في محافظات ذات أغلبية شيعية. حلّت هذه القائمة ثانيا في بابل والمثنى والبصرة، مع العِلم أن المشاركة في محافظة المثنى كانت الأعلى ضمن حزام الجنوب كإحصاء أوّلي، إذ بلغت 64 في المئة. بل إنه حلّ ثالثا في مدينتي النجف وكربلاء رغم الحملة المضادة التي تعرّضت لها القائمة، واتهامها بالإساءة للمرجعية ولأهل البيت (ع).
وحين تُثبّت هذه النتائج، فإن علاوي سيُصبح بيضة القبّان بالنسبة لباقي الكتل. وسيسعى الفائز الأول إلى التحالف معه لتشكيل الحكومة. كما أن الائتلاف بزعامة المجلس الأعلى سيسعى للتحالف معه أيضا لقطع الطريق أمام المالكي لأن يُصبح رئيس وزراء مرة أخرى.
وفي الكَسْر الثالث، فإن التفكير السياسي للعرب السُّنّة تبدّل بشكل استراتيجي وغير معتاد، بعد اصطفافهم وراء رجل علماني ذي جدوديّة شيعية وهو إياد علاوي. فقد حلّ الرجل وقائمته أولا في المحافظات السُّنّية. في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى ونينوى. وهي المحافظات التي تتمثّل في البرلمان بسبعين مقعدا.
هذا التطوّر هو عضٌّ على جروح الماضي، ولَجْمٌ لأي جموح نحو صراع سياسي على منصّة مذهبية فحين تقبل المذاهب بأن يُمثّلها غيرها في رئاسة الوزراء (سواء المغايرة المذهبية سني/ شيعي، أو الآيدلوجية علماني/ قومي.. إلخ) فإن ذلك يعني أن خياراتها شبه متّحدة معه، أو على أقّل تقدير هي محلّ اطمئنان متبادل في آن.
وفي الكَسْر الرابع، فإن نسبة التصويت في مدينتي كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف لم تكن تعادل الدعوات التي صدرت عن المرجعية الدينية العليا التي حثّت العراقيين على المشاركة بقوّة في عملية التصويت. ففي مدينة النجف الأشرف لم تتجاوز النسبة الـ 55 في المئة، وفي مدينة كربلاء المقدسة إلى ما دون النصف.
وفي الكسر الأخير الذي كسر قاعدته العراقيون، هو فشل التيارات التي كان يُظَنّ أنها ضاربة في المجتمع العراقي في تحقيق مكاسب مُجزية، حتى في معاقله كما جرى ذلك بالنسبة للتيار الصدري في مدينة الشعلة، ومناطق أخرى في بغداد، وكذلك الحال بالنسبة للمجلس الأعلى. وهو ما يعني إعادة فرز لرؤية وطموحات العراقيين تجاه برامج ومواقف هذه الأحزاب. وللحديث صلة.
التعليقات