فولكر بيرتس


إن فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء اللبناني السابق، رجل رصين الفكر ويتمتع بخبرة عميقة في كل ما يتصل بسياسة الشرق الأوسط. لذا، فإنه حين يتحدث عن laquo;قطارات بلا سائقين تنطلق على مسار تصادميraquo;، كما فعل مؤخراً أثناء لقاء خاص في برلين، فهذا يعني أن الأطراف المهتمة ربما كان عليها أن تجهز نفسها للتعامل مع تطورات غير مرغوب فيها. بطبيعة الحال، لا أحد في المنطقة يدعو إلى الحرب، ولكن يبدو أن مزاج ما قبل الحرب آخذ في الازدياد.
هناك أربعة عوامل -كلها ليست بالعوامل الجديدة، ولكن أياً منها كاف لزعزعة الاستقرار بمفرده- يعمل كل منها على مضاعفة تأثير بقيتها: الافتقار إلى الأمل، والسياسات الحكومية الخطيرة، وخواء السلطة الإقليمية، وغياب الوساطة الخارجية النشطة.
قد يكون من المطمئن أن أغلب الفلسطينيين والإسرائيليين ما زالوا يؤيدون حل الدولتين. ولكن من غير المطمئن أن أغلب الإسرائيليين والغالبية العظمى من الفلسطينيين فقدوا كل الأمل في تحقق هذا الحل على الإطلاق. فضلاً عن ذلك فإن التجميد الجزئي للمستوطنات والذي قبلته حكومة إسرائيل سوف ينتهي بحلول شهر سبتمبر، كما ستنتهي الفترة التي حددتها جامعة الدول العربية لما أُطلق عليه محادثات التقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي لم تبدأ بجدية حتى الآن.
ومن غير المرجح أن تبدأ أي مفاوضات مباشرة جادة من دون تجميد بناء المستوطنات، ولا أظن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يعلن عن تجميد المستوطنات، وذلك نظراً للمقاومة التي يلقاها داخل حكومته الائتلافية. أما سوريا التي كانت حتى نهاية عام 2008 تشارك في محادثات التقارب مع إسرائيل والتي بدأت بوساطة تركية، فإنها لا تتوقع استئناف المحادثات مع إسرائيل في أي وقت قريب. ولعل هذا من بين الأسباب التي دعت الرئيس السوري بشار الأسد في بعض المناسبات إلى ذِكر الحرب باعتبارها خياراً، كما فعل مؤخراً في مدريد.
وعلاوة على ذلك، يتحدث الإسرائيليون وبعض الأشخاص المقربون من حزب الله في لبنان عن laquo;جولة أخرىraquo;، في حين يعتقد العديد من المحللين والخبراء في منطقة الشرق الأوسط أن نشوب حرب محدودة قد يؤدي إلى كسر جمود الموقف السياسي الراكد. ويستشهدون في هذا السياق بحرب 1973 التي ساعدت في إحلال السلام بين مصر وإسرائيل. ولكن الحروب التي أعقبت ذلك، وآخر الحروب في المنطقة -حرب لبنان في عام 2006، وحرب غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009- لا تدعم هذه النظرية المتهورة.
إن إيران، التي لم يكن نفوذها في المشرق العربي سبباً في نشوء المشاكل التي لم تُحَل في الشرق الأوسط بقدر ما كان نتيجة لهذه المشاكل في واقع الأمر، لا تزال مستمرة في تحدي قرار فرض العقوبات الجديدة الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والواقع أن افتقار حكام إيران إلى الثقة في الغرب لا يقل عن افتقار الغرب إلى الثقة فيهم، وهم مستمرون في تضخيم الشكوك الدولية بسبب أقوالهم وأفعالهم. وتلعب أحاديث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتكررة حول زوال دولة إسرائيل في النهاية دوراً كبيراً في تعزيز حجة الإسرائيليين الذين يتحدثون عن ضرورة إنهاء البرنامج النووي الإيراني عسكريا.
إن بعض أهم اللاعبين في الشرق الأوسط يعملون على تصعيد خطر وقوع المواجهة لأنهم إما فقدوا الحس اللائق ببيئتهم الإقليمية والدولية، وإما يسعون إلى دعم سلطتهم السياسية من خلال الاستفزاز وتبني سياسة حافة الهاوية. فلا شك أن قِصِر نظر نتنياهو الذي يدفعه إلى رفض التخلي عن المستوطنات والأراضي المحتلة يهدد مصلحة إسرائيل في الأمد البعيد في التوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين. وفي هجومها القاتل الذي شنته على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى غزة في شهر مايو، أظهرت حكومة نتنياهو نوعاً من التوحد السياسي في عجزها عن إدراك حقيقة مفادها أنه حتى أقرب أصدقاء إسرائيل لم تعد لديهم الرغبة في تقبل العواقب الإنسانية المترتبة على حصار غزة.
وفي العالم العربي لن نجد في الوقت الحالي أي قوة مهيمنة قادرة على التخطيط للاستقرار أو الترويج له خارج حدودها الوطنية. وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتمكن العراق من الاضطلاع بدور إقليمي من جديد. أما أجندة الإصلاح السعودية فإنها تتعلق في الأساس بقضايا داخلية. وكان الركود السياسي في مصر سبباً في الحد من نفوذها الإقليمي.
لذا فإن القوة الإقليمية الوحيدة في الشرق الأوسط اليوم هي إيران، ولكنها ليست قوة داعمة للاستقرار. ومن الواضح أن البلدان العربية تدرك هذه الحقيقة. وبقدر كراهيتها لنشوب أي حرب في المنطقة، فإنها تخشى بصورة خاصة اندلاع حرب بين إسرائيل أو الولايات المتحدة وإيران، وذلك لأنها تدرك تمام الإدراك أن تأثيرها على أحداث حرب كهذه سوف يكون ضئيلاً للغاية.
والواقع أن الديناميكيات الإقليمية البينية في الشرق الأوسط اليوم أصبحت مدفوعة بنفوذ ثلاث دول، ليس من بينها أي دولة عربية: وهي إسرائيل وإيران، وعلى نحو متزايد تركيا. ففي الأعوام الأخيرة حاولت تركيا التوسط بين إسرائيل وسوريا، وبين إسرائيل وحماس، وبين الطوائف المتنازعة في لبنان، ومؤخراً بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا. ويتعين على تركيا الآن أن تستمر في الاضطلاع بهذا الدور. ولكن الحكومة التركية سمحت لنفسها على نحو متزايد بالانجراف إلى صراعات الشرق الأوسط، بدلاً من العمل كوسيط نزيه.
كانت لإدارة أوباما بداية قوية فيما يتصل بمشاكل الشرق الأوسط. ولكن بعد انقضاء عام ونصف العام منذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، تحولت laquo;يده الممدودةraquo; لإيران إلى قبضة، ويبدو أن محاولات أوباما لتشجيع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود. ومن المرجح أن تستمر القضايا الداخلية التي تشغل بال أوباما وفريقه إلى نهاية انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل على الأقل، الأمر الذي لابد وأن يحول دون أي دبلوماسية نشطة طيلة الأشهر الحرجة المقبلة.
ولكن ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ الواقع أننا لم نشهد أي قدر يُذكَر من دبلوماسية منع الأزمات من جانب بروكسل أو عواصم أوروبا الوطنية. ولم يبذل أي من وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي الكبرى أي محاولة للتوسط ببين أقرب صديقين لأوروبا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إسرائيل وتركيا.
قبل عشرين عاماً، وفي الأسابيع التي سبقت غزو العراق للكويت، انتبه العديد من المراقبين إلى بوادر أزمة تلوح في الأفق. ولكن اللاعبين العرب والغربيين تمكنوا على نحو ما من إقناع أنفسهم بأن الأمور لن تخرج عن نطاق السيطرة. والحق أن تلك الأزمة، وغيرها من الأزمات التي سبقتها أو تلتها، أظهرت أن التوترات في الشرق الأوسط نادراً ما تحل بمرور الوقت. فهي في بعض الأحيان تُحَل من خلال التدخل الدبلوماسي النشط من جانب لاعبين إقليميين أو دوليين، وفي أحيان أخرى تتحول إلى عنف لا زمام له.