داود الشريان


صدقت التوقعات. الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يظهر أمام شعبه كمنتصر، وهو قال: مهمة الجيش الأميركي في العراق انتهت، ولم يقل انجزت، فتجنب الخطأ الذي وقع فيه سلفه الرئيس جورج بوش. لكن استبداله انتهت بـ laquo;انجزتraquo; لم يسعفه، فهو تجنى على الحقيقة في جوانب أخرى، فتحدث عن انسحاب للقوات الأميركية، على رغم أن 50 ألف جندي أميركي ما زالوا في العراق. وقال ان laquo;عملية حرية العراق انتهتraquo;، على رغم ان العراق كان حراً سيداً قبل غزو الجيش الأميركي أراضيه وهو اليوم أسير مهمة أميركية فاشلة، وتدخلات إيرانية متزايدة، وأزمة سياسية ومذهبية تنذر بموجات جديدة من العنف الداخلي.

أميركا لم تنسحب من العراق، نفذت انسحاباً جزئياً لقواتها، وغيّرت بعض مهمات قواعدها، وقلصت عددها، وإن شئت فإن القوات الأميركية استخدمت مصطلح التموضع الذي اخترعه اللبنانيون لوصف تحركات الجيش السوري أيام وجوده على الأرض اللبنانية. والتموضع في التجربة اللبنانية كان وصفاً للانسحاب الوهمي، بالتالي فإن الأميركيين تموضعوا في العراق، وأعادوا انتشار قواتهم، وغيروا مهمتها من قتالية الى مهمة أمنية. الأميركيون انسحبوا اعلامياً، لكنهم باقون سنوات طويلة. هل يعقل أن تخسر أميركا أربعة آلاف قتيل، وستين ألف جريح، وتخسر تريليون دولار من أجل عيون العراقيين؟

أميركا لم تحتل العراق على طريقة الاحتلال البريطاني. وهي مارست تزييفاً تاريخياً لصفة وجودها، يعدّ سابقة في تاريخ المحتلين والاحتلال، واستخدمت هذا الوصف المضلّل لتزييف قضية خروجها الوهمي، ولعبت على مصطلحات الانسحاب والبقاء بحجج سياسية تارة، وأمنية تارة أخرى. وخلقت نوعاً جديداً من الاحتلال، يمارس كل أدوار المحتل ومصالحه، لكنه لا يلتزم موعداً للخروج، ويعفي نفسه من دفع أي ثمن. ليت واشنطن مارست أمبرياليتها، واحتلت العراق في شكل كامل، وعيّنت حاكماً عسكرياً يدير شؤون العراقيين. لكنها افلتت من هذا الالتزام، واستطاعت أن تبدو كصديق جاء لمساعدة العراقيين، فأصبح الإعلان عن خروج بعض جنوده مصيبة سياسية، وصار بعض السياسيين العراقيين يحذرنا من مغبة الخطوة الأميركية... على رغم أن كل ما جرى الثلثاء الماضي محاولة لشرعنة بقاء أميركا في العراق سنوات مديدة.