جهاد الخازن


إذا كان اليمين الأميركي، وفي قلبه عصابة اسرائيل من ليكوديين ومحافظين جدد، لا يستطيع التفاهم مع فيصل عبدالرؤوف، فإنه لن يستطيع التفاهم أو التعامل مع أي مسلم في العالم كله.

في مثل هذا الوضع يصبح الخيار الآخر حرباًَ دائمة يريدها اليمين الأميركي والإرهابيون من المسلمين من نوع القاعدة، فالتطرفان وجهان لعملة واحدة، إلا أنها قرش مزور، فاليمين يمثل تحالف الصناعة والعسكر الذي حذر منه دوايت ايزنهاور يوماً، والقاعدة تحتاج الى وجوده لتبرر حربها على laquo;الصليبيين واليهودraquo;. لذلك نجد ان المواقع التي تؤيد القاعدة أو الداعية اليمني أنور العولقي هي الأكثر سعادة بمعارضة بناء مركز اسلامي في نيويورك لأنها تفيد في حشد التأييد الإسلامي ضد أميركا.

إذا كان من نقيض لهذا الفكر الظلامي العدمي فهو الإمام فيصل عبدالرؤوف الذي عرفته على امتداد سنوات. فقد شاركنا في حوار الإسلام والغرب عبر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وفي مؤتمرات كثيرة أخرى من الخليج الى الأردن ومصر.

لا أذكر انني سمعت منه يوماً موقفاًَ متطرفاً أو كلاماً غير مقبول، فهو يسعى الى تصحيح صورة الإسلام عبر العالم، ويهاجم الإرهابيين وفكرهم وخروجهم على الدين السمح، ويريد أن ينصهر المسلمون في المجتمع الأميركي. وكتابه laquo;الصحيح في الإسلام: رؤية جديدة للمسلمين في الغربraquo; صدر سنة 2004، وقد قرأته بالانكليزية ولا أعرف إذا كان ترجم الى العربية. وهو يشرح رأي المؤلف ان وراء الخلاف بين المسلمين أسباباً سياسية واقتصادية وسجلاً معروفاً في الاعتداء على دول مسلمة، وأن الدين يجمع ولا يفرّق، فالأديان التوحيدية الثلاثة تجتمع في التمثل بسيرة سيدنا ابراهيم وتعتبره قدوة.

الكتاب يعكس السيرة الذاتية لصاحبه، فقد ولد فيصل عبدالرؤوف في الكويت لأبوين مصريين، وعاش في ماليزيا وانتقل الى انكلترا، ثم استقر في الولايات المتحدة وتبع أباه إماماً لمسجد في نيويورك، وهو يحمل شهادة ماجستير في الفيزياء من جامعة كولومبيا، ما يعني انه ذكي جداً. وزوجته ديزي خان من كشمير، وهي مصممة داخلية للمنازل، وفي منتهى اللطف وحسن الإدراك.

ماذا يأخذ المتطرفون على الإمام فيصل؟ انه يدافع عن الشريعة، وقد لا يصدق القارئ العربي ان الليكوديين الأميركيين جعلوا من الشريعة ذلك laquo;البعبعraquo; الخرافي، وأنا أحتفظ بمقالات كثيرة لهم عنها يزعم أصحابها ان المسلمين يريدون ان تحل محل دستورهم، وأن تكون أساس هيمنة اسلامية على العالم كله. كل ما يقول الإمام رؤوف هو ان الشريعة من نوع الدستور الأميركي، فهي تضمن laquo;الحقوق الأساسيةraquo; لكل انسان. ولا أفهم ان ناساً يتبعون التلمود يهاجمون الشريعة.

بعض الجماعات اليهودية الأميركية كشف وجهه الحقيقي، فرابطة مكافحة التشهير باليهود عارضت بناء المركز الإسلامي، مع ان الدفاع عن الأقليات ورفض العنصرية بحقهم علّة وجودها. أما اللجنة اليهودية الأميركية فطالبت الإمام رؤوف بأن يدين حماس وقد رفض.

أنا أدين اسرائيل كدولة احتلال وجريمة بقيادة حكومة فاشيستية، وأعتبر حماس حركة تحرر وطني مع انني عارضت دائماً العمليات الانتحارية ودعوت الى وقفها. مع ذلك أتفق مع اللجنة اليهودية الأميركية في المطالبة بإدانة الإرهاب laquo;من دون قيد أو شرطraquo;، وأدين ارهاب اسرائيل، وأطالب اللجنة بإدانته لأن تأييد المتطرفين في الحكم الإسرائيلي يعني استمرار المواجهة وموت مزيد من اليهود والفلسطينيين.

عصابة اسرائيل اختارت ما تريد من كتاب الإمام فيصل وتصريحاته، وهي أغفلت وجود فتوى في نهاية الكتاب لخمسة شيوخ مثله تسمح للمسلمين بالقتال مع الأميركيين في أفغانستان.

بكلام آخر، الإمام فيصل عبدالرؤوف يؤيد محاربة الإرهاب (كما أفعل أنا، فقد أيدت الحرب الأميركية على طالبان والقاعدة بقدر ما عارضت الحرب على العراق) في حين أن خصومه يؤيدون الإرهاب الإسرائيلي، فأقول مرة ثانية ان موقفهم يؤدي الى مزيد من القتل.

عندما لا يكون الهجوم على الإمام فيصل فهو على الدول العربية laquo;المتهمةraquo; بالإسهام مالياًَ في مشروع بناء المركز الإسلامي. وقد تعرضت المملكة العربية السعودية وقطر لحملات لن أكررها هنا، فهي كاذبة من ألفها الى يائها، وانما أقول ان عصابة الشر والجريمة والإرهاب من الليكوديين الأميركيين أنصار اسرائيل تزعم في مثل هذه المناسبات ان 15 من 19 ارهابياً في 11/9/2001 كانوا سعوديين، إلا ان الليكوديين لا يقولون ان القاعدة استهدفت السعودية قبل أميركا، وحتى اليوم، وإن الإرهابيين اختيروا للإيقاع بين السعودية والعالم الخارجي كله.

وفي النهاية، ارهاب القاعدة أقل خطراً من ارهاب المتطرفين في أميركا، فإرهابها مكشوف، أما ارهابهم فيغلفه الضباب.