محمد عيادي

أكدت الوثائق السرية التي كشفتها قناة laquo;الجزيرةraquo; عدداً من الأخبار التي كانت تتداول سابقاً في بعض المقالات الصحافية خاصة منها الأجنبية حول طبيعة العلاقة والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، والتي وُصفت يومها بأنها مجرد إشاعات واتهامات بحق بعض قيادات السلطة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالهجوم على غزة نهاية 2008 وكونها أخبرت مسبقاً بحصوله من مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، ومطالبة أحدهم من ليفني بتشديد الخناق والحصار على قطاع غزة، والتنسيق الأمني، والكرم الحاتمي للمفاوض الفلسطيني مع الطرف الإسرائيلي حول قضايا حساسة وخطيرة من قبيل قضية القدس وقضية اللاجئين.
وفيما اعتبر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الوثائق بأنها غير دقيقة، أكد حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أن الوثائق التي عرضتها قناة الجزيرة تؤكد أن السلطة الفلسطينية laquo;شريك فعليraquo; في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام، وهو يعني بذلك طبعا أنها مستعدة على الدوام لتقديم تنازلات، وعندما تبدي نوعا من الممانعة تسارع قيادات إسرائيلية بما فيها رأس الحكومة لاتهام تلك السلطة بأنها ليس شريكا حقيقيا فيما يسمى عملية السلام. اللعبة باتت مفضوحة مكشوفة ليس في العالمين العربي والإسلامي فقط بل لدى كل أحرار العالم.
المتتبع للقضية الفلسطينية لن يُفاجأ بحجم التنازلات وخطورتها التي يمكن أن تقدم عليها السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية والفريق المفاوض بالطريقة و laquo;العقيدةraquo; والرؤية التي يدير بها المفاوضات الحالية، ذلك أنه بعد التنازلات الكبيرة في اتفاق أوسلو الشهير، بات كل شيء وارداً حتى بالنسبة للتعامل مع ملف المسجد الأقصى والقدس واللاجئين.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) أحب أن يهون من أمر كشف laquo;الجزيرةraquo; لـ1600 وثيقة بقوله: laquo;لا أعلم من أين جاءت الجزيرة بأشياء سرية، ولا يوجد شيء مخف على الأشقاء العرب، وعندما يحصل شيء نتصل بعدد من الدول، وبالسيد عمرو موسى ونطلعهم على ما يجريraquo;، وحتى إذا افترضنا أنه لم يكن يخفي شيئا كما قال، يبقى السؤال المطروح: هل كان يضع كل الفصائل والقوى الفلسطينية بجميع ألوانها، والشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات في كامل الصورة؟ الجواب بكل تأكيد لا.
وأعتقد أن السيد عباس، وبعيداً عن اللغة الخشبية التي ظل يستعملها طوال الفترة الماضية من المفاوضات، مُطالب قبل الذهاب لمجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد قمة الاتحاد من أجل السلام أو مطالبة مجلس الأمن بفرض الوصاية على الأراضي الفلسطينية، مطالب بأن يقدم حساب المرحلة السابقة وإخضاعها للتقييم من طرف كل الفلسطينيين، واستفتاءهم، وأخذ رأيهم في القرارات الكبيرة، فاستعداد السلطة كما تقول إحدى الوثائق للاكتفاء laquo;بعودة 10 آلاف سنوياً على 10 سنوات أي بما مجموعه 100 ألفraquo; فيما يبلغ عدد اللاجئين حوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني، يجب أن يكون مرهوناً باستفتاء هذه الملايين أولاً وأخيراً.
قبل أن يذهب لمجلس الأمن أو يرجع لطاولة المفاوضات، الرئيس عباس مُطالب بعدما انتهت ولايته، بأن يسعى بكل تجرد لاستحضار حساسية اللحظة التاريخية التي تمر منها القضية الفلسطينية إلى توحيد الصف الفلسطيني، وإزالة كل الألغام من طريقها، وينظم انتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية نزيهة وشفافة يختار فيها الفلسطينيون قيادتهم ورئيسهم، وحينها سيذهب عباس ndash;إن جددوا الثقة فيهndash; أو غيره من موقع قوة وموقع ممثل إرادة الفلسطينيين، وليس ممثلاً لهذا الفصيل أو ذاك ولهذه الجهة دون تلك، لأنه ساعتها ستزول كثير من المبررات التي كانت إسرائيل تضغط بها على الفريق الفلسطيني المفاوض، وستكسب دعم الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وبدون هذه الخطوات سيستمر مسلسل ضياع حقوق الفلسطينيين، وستستمر إسرائيل بدعم أميركي في رفع سقف مطالبها وتحقيق مخططها.
كما أن الذهاب لمجلس الأمن من دون الخطوات المذكورة سيكون إضاعة للوقت ونزيفاً لما تبقى من الرصيد السياسي للسلطة الفلسطينية وإحراق لما تبقى من أوراقها، لأن موقف الإدارة الأميركية وموقف عدد من الدول الأوروبية معروف سلفاً وعصا الفيتو جاهزة ضد الاعتراف بدولة فلسطينية من طرف واحد.