صالح القلاب
سيحقق الإخوان المسلمون الأردنيون حتماً انتصاراً في أي انتخابات تشريعية مقبلة, إن هم تجاوزوا مخاوفهم وحساباتهم التنظيمية الخاصة، وشاركوا في هذه الانتخابات، لكن هذا الانتصار لن يكون في أفضل الأحوال وأحسنها أهم من النجاحات التي حققوها في انتخابات عام 1989 التي شابتها عيوب أكثر من كل العيوب التي شابت أسوأ الانتخابات اللاحقة، والتي أجريت وفق قانون متخلف فعلاً لا يساوي بين المواطنين، ويعطي لبعضهم صوتاً واحداً، بينما يعطي لآخر, من نفس الطينة والعجينة, عشرة أصوات وأكثر. لا نقاش في هذا على الإطلاق، ولكن النقاش والخلاف والاختلاف هو أن ldquo;إخوان الأردنrdquo; لا يمكن أن يحققوا اجتياحاً انتخابياً كالاجتياح الذي حققه الإسلاميون في مصر، فهناك نسيج اجتماعي مختلف عن النسيج الاجتماعي الأردني، وهناك تجربة حكم وسلطة غير تجربة الحكم الأردنية، وهناك نسبة أُمية تصل إلى نحو أربعين في المئة، وهناك تمايز طبقي بين أهل ldquo;العِشّةrdquo; وأهل ldquo;القصرrdquo;، وبين ساكني المقابر وساكني ldquo;القطاميةrdquo; وأحياء الضواحي الجميلة الفارهة. والأهم من كل هذا أن مصر لم تعرف الحركة القومية بكل تفرعاتها الحزبية، ولم تعرف الحركة اليسارية إلا ما اقتصر منها على بعض النماذج المثقفة التي بدأها اليهود المصريون قبل عام 1948، وبدأها بعض الذين تعاطوا مع هذا الأمر من قبيل التقليد وrdquo;الفانتازياrdquo;، أما تجربة عبدالناصر والاتحاد الاشتراكي والاتحاد القومي، وأيضاً تجربة السادات ومبارك، فقد كانت تجربة قرار حكومي فوقي بقي يقتصر على الانتهازيين وبعض موظفي الفئات العليا، ولم يخترق القشرة الخارجية للفئات المسحوقة والطبقة الكادحة. وهناك تاريخ طويل هو الذي جعل حال الإسلاميين في مصر (الإخوان المسلمون والسلفيون) كحال الفرس الذي يركض في ميدان السباق وحده، والمعروف أن من يطارد في الميدان وحده لابد أن يكسب السباق، وهذا يختلف اختلافاً جذرياً عن واقع الأردن، حيث بقي الإخوان المسلمون الطفل المدلل للنظام، ولم يواجهوا في أي يوم من الأيام ما واجهه إخوتهم في مصر وفي سورية وفي العراق وفي دول عربية أخرى، وهنا فإن ما يحاول الإخوان الأردنيون تجنب ذكره هو أنهم يتميزون عن غيرهم بأنهم يمارسون العمل السياسي من خلال ثلاث دوائر حزبية موحدة المركز متباعدة الإطارات: الدائرة الأولى هي ما يسمونه الحركة الإسلامية، والدائرة الثانية هي الإخوان المسلمون، والدائرة الثالثة هي جبهة العمل الإسلامي، وهذا مخالف لقانون الأحزاب والدستور، ومع ذلك فإن الجهات الرسمية المعنية صامتة إزاء هذا كله صمت أهل القبور! إذن وبينما يقدم إسلاميو مصر أنفسهم على أنهم ضحية الأنظمة المتلاحقة منذ عام 1928، أي منذ ملكية فؤاد إلى ملكية فاروق إلى جمهورية عبدالناصر، ثم جمهورية السادات وجمهورية حسني مبارك، حتى هذا المجلس العسكري الذي على رأسه المشير محمد حسين طنطاوي، فإن إسلاميي الأردن لا يستطيعون الادعاء بأنهم ضحية نظام جائر، وحقيقة إن هُمْ حاولوا ذلك فإن الأردنيين لن يصدقوهم، لأنهم بقوا طفل الحكومات المتلاحقة المدلل، ولأنه إن مورست عليهم بعض القسوة العابرة فإنها لا تتعدى على الإطلاق قسوة الأب الذي يحاول تصحيح تصرفات ابنه. على مدى تاريخ الأردن وحتى قبل أن يأخذ الإخوان المسلمون الموقع الذي أخذوه بعد ارتكاب الحركة الوطنية, القومية واليسارية, الخطأ القاتل في عام 1957، فأصابها ما أصابها، كانت هناك حركة وطنية قومية ويسارية، وإن هي لم تكن منظمة بصورة عامة وكان لها تأثير حقيقي في العمق الجماهيري الأردني الفاعل الذي لايزال مستمراً حتى الآن، وهذا يختلف اختلافاً هائلاً عن التجربة المصرية، ولذلك فإن مما لا شك فيه أن ldquo;الإخوان الأردنيينrdquo; سيحققون نجاحات ملموسة في أي انتخابات مقبلة، ووفقاً لأي قانون تجري على أساسه هذه الانتخابات، لكن هذه النجاحات لا يمكن أن تتجاوز ما حققوه في انتخابات عام 1989 إلا إذا وقعت معجزة ما، مع العلم أن هذا الزمن ليس زمن المعجزات.
- آخر تحديث :
التعليقات