حسام عبدالعزيز

أردد كغيري منذ سنوات أن التيار السلفي تنقصه الحنكة السياسية، وأن قليلا من الذكاء والحكمة والتنظيم من شأنه تفويت الفرصة على الإعلام الذي يشن الكثير من حملات التشويه الروتينية.
كانت نظرة مني في الماضي كفيلة بأن أعرف أنني كنت مخطئا، وهي المهمة التي قرر خيالي أن ينفذها منذ أيام قليلة.

النتيجة التي توصلت إليها مفادها أن تجنب الحملات الإعلامية يمسي مستحيلا ما دام باعثها العداء وسوء النية، فالنبي ـ الذي أبى أن يقتل المنافقين درءا للتزييف الإعلامي، ونادى الصحابة ليقول لهم إنها صفية زوجتي ـ لم يسلم من الخوض في عرض امرأته الحصان الرزان عائشة على الرغم من سيرتها الحسنة وسط المسلمين.
لقد أيقنت الآن أن إعلامنا الراهن يحمل من الحقد والقدرة على تزييف الحقائق ما يفوق ما تواطأ المنافقون عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده.
وسرعان ما ساقني خيالي ـ وسامحوه ـ إلى أن أتصور إعلام اليوم وهو يعيش القرون الهجرية الثلاثة الأولى ويغطي أحداثها.
تخيلت المصري اليوم وهي تكتب واصفة حادثة الإفك: (شهود عيان: رأينا عائشة مع ابن المعطل).
تخيلت اليوم السابع وقد وضعت مانشيتا عريضا يقول: (قال له امصص بظر اللات.. أبو بكر يسب مواطنا بلفظ ناب)، تعليقا على رد الصدِّيق على عروة بن مسعود الذي وصف الصحابة بأوباش الناس.
وعلى الصفحة الرئيسية بصحيفة روزاليوسف كان هذا العنوان: (النبي: قتل المنافقين واجب ولكن ليس الآن)، في إشارة خبيثة إلى قول النبي لعمر الذي أراد قتل رأس النفاق ابن سلول: لا يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه.
وفي التحرير طالعت هذا المانشيت: (لأنها ظنت أنه ذاهب لإحدى زوجاته.. النبي يضرب عائشة وسط استنكار حقوقي)، تعليقا على خروج أم المؤمنين خلف النبي المتجه إلى البقيع في إحدى الليال ولهد النبي إياها في صدرها.
الشروق: (فضيحة من العيار الثقيل.. صحابي يلقب بحمار يُجلد في الخمر للمرة الثالثة)، في إشارة إلى الصحابي الذي لعنه جمع من الصحابة بعد جلده فقال النبي لا تلعنوه إنه يحب الله ورسوله.
وفي صفحة المقالات دفعني خيالي لأرى عمودا لفاطمة ناعوت قد كتبت فيه إن (طرد النبي اليهود من المدينة يتنافى مع مبدأ المواطنة) غير مبالية بما حدث من تعرية امرأة!، بينما كتب خالد منتصر أن رجم الغامدية الزانية كان مشهدا وحشيا يعيدنا إلى العصور الحجرية. وقالت نوال السعداوي: إن نهر عبد الله بن مسعود امرأة متنمصة يتنافى مع أبسط قواعد اللياقة وحقوق الإنسان، فمن حق كل امرأة أن تفعل ما يحلو لها بجسدها دون تدخل من أي أحد كائنا من كان.
وأخيرا كتب فهمي هويدي يقول: إن على عمر بن الخطاب أن يهدئ من أعصابه فعبارة ألا أقتله يا رسول الله التي يكررها في كل مناسبة هي عبارة خارج السياق وتقوض الهيكل التنظيمي للدعوة وتتسبب في حرج للمسلمين برمتهم، وعلى نعيم بن مسعود أن يتحلى بقدر من المسؤولية ويكف عن عملياته القتالية الفردية لحماية صلح الحديبيبة وحماية مصالح المسلمين في المدينة.
إنني اليوم على قناعة بأنه لا سبيل لمنع التشويه مهما بلغ ذكاء من يتعرض إليه وحكمته، ومهما بلغت قدرته على صد الهجمات الإعلامية المتوالية، ومهما كان نقاء سيرته وسريرته، ولو سلم من ذلك أحد لسلم منها سيد الحكماء والأطهار الذي لا يزال يتعرض وصحابته للتشويه والافتراء حتى زماننا هذا.
إننا بصدد تيار سلفي لا يبدي خلاف ما يبطن، متمثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين.
بل أن التشويه ربما كان دليلا على سلامة المنهج، ودعونا نتأمل قولة ورقة بن نوفل للنبي في بدء البعثة: لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله أخي موسى أوذي أكثر من هذا فصبر.
ولا ينفي ما سبق أن ثمة أخطاء يقع فيها كثير من العاملين بالتيار السلفي وأبرزها الموافقة على الظهور بقنوات إعلامية عُرف عن القائمين عليها التصيد والإثارة والتشويش على كل ما يرفع من رصيد الضيف، فضلا عن خطأ الظهور الإعلامي المكثف الذي يعزز صحة قاعدة: تكلم كثيرا تخطئ كثيرا.
كذلك، الإلحاح على ظهور نادر بكار أو عبد المنعم الشحات وحدهما ـ وإن كان جهدهما رائعا ـ يعطي دلالة غير جيدة على أن التيار السلفي يعاني افتقارا إلى الكوادر الإعلامية القادرة على إظهار الدعوة بالمظهر اللائق.
بيد أن الدرس المستفاد الأكبر هو أن أية تجربة مهما كان نجاحها هي تجربة بشرية يعتريها الخطأ والنقص وسوء الفهم، لكن التناول الإعلامي المغرض هو الذي يحول الاستثناء إلى قاعدة والخصوص إلى عموم


اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - السلفيون والتعاطي الإعلامي المفخخ