Couloumbis, Ahlstrom amp; Weaver RealClearWorld


لقد ترك الرئيس أوباما، عن وجه حق، القرار للشعب المصري، وحثّ في الوقت عينه على حصول مرحلة انتقالية سلمية في نظام الحكم. يجب أن تتابع الولايات المتحدة الضغط لنشوء حكومة انتقالية شاملة تمهيداً لإجراء انتخابات ديمقراطية، حرة ومنفتحة ومتعددة الأحزاب، تحت إشراف مراقبين دوليين، مع التشديد على أن خطوة مماثلة ستمكن المصريين من التحكم بمستقبلهم الديمقراطي.

laquo;قمع الأفكار لا ينجح مطلقاً في تبديدهاraquo;ndash; الرئيس باراك أوباما، جامعة القاهرة، عام 2009.

laquo;نادراً ما تكون الأمور كما تبدو ظاهرياًraquo;ndash; من أوبرا باتركاب... سفينة صاحبة الجلالة بينافورraquo; التي عرضت عام 1878.

ينطبق هذان التعليقان على الوضع الراهن في مصر.

من الواضح أن المحتجين ضد مبارك يتحركون بدافعٍ من المُثل الديمقراطية، فهم يعبرون عن رفضهم لعقود من الاستبداد أدى إلى تحويل مفهوم الحكم الذاتي إلى مسخرة فعلية، وعزز جمود الاقتصاد في أكبر بلد عربي في العالم. الأفكار المقموعة لا تتبدد ببساطة!

لكن يتجاهل عدد من المعلقين تحذير باتركاب ويكتفون بإقامة مقارنات بسيطة غالباً ما تكون مضلِّلة أو ببساطة غير مُجدية.

لا شك أن حكم الرئيس مبارك يُشرف على النهاية، مع أننا لا نعرف تحديداً متى وكيف سيحصل ذلك، لكننا ندرك تماماً أنه من مصلحة مصر، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والمنطقة، والعالم، أن تتم المرحلة الانتقالية بطريقة سلمية قدر الإمكان، فلا نفع من إثارة المخاوف من حصول تصادم كونيّ بين الديانات والحضارات.

صحيح أن المتظاهرين ينتمون إلى فئات عمرية متنوعة، لكن يبدو أن النسبة الأكبر منهم تعود إلى فئة الشباب، علماً أن معظمهم متعلمون ويتكلمون لغات عدة. يبلغ متوسط العمر في مصر 24 عاماً، ويطّلع الشباب المصري في المدن على الأفكار وأساليب الحياة السائدة في أجزاء أخرى من العالم عبر وسائل الاتصال المختلفة، وتحديداً الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية. يسعى هؤلاء الشباب إلى إيجاد فرص عمل وتوسيع فرص التعليم وهامش الحريات والتخلص من نظام سياسي قمعي وفاسد.

بالطريقة نفسها، تتوق الشركات الصغيرة وأصحاب المتاجر والأشخاص المحترفون إلى نشوء اقتصاد أكثر حيوية والتمتع بحرية التعبير عن الأفكار السياسية. لا شك أن سقوط الرئيس التونسي بطريقة درامية شجع المصريين على التفكير باحتمال حصول تغيير جذري مشابه في بلدهم، على أن يتجسد بثورة ترتفع فيها التطلعات، بناءً على الاعتقاد القائل إن ما بدا بعيد المنال أصبح فجأةً في متناول اليد.

صحيح أن البعض هول باحتمال انتشار التطرف الإسلامي، لكن يتصرف laquo;الإخوان المسلمونraquo; في مصر بطريقة مسؤولة نسبياً حتى الآن، فهم يقولون إنهم يسعون إلى إجراء انتخابات حرة. في مطلق الأحوال، لا تحظى جماعة laquo;الإخوانraquo; بدعم واسع، فهي واحدة من جماعات كثيرة مشارِكة في الاحتجاجات. تقضي أفضل طريقة لإبطال تأثير laquo;الإخوان المسلمينraquo; بتنحية مبارك عن الساحة السياسية في أقرب وقت ممكن والإصرار على أن الولايات المتحدة تدعم التغيير الديمقراطي السلمي. في نهاية المطاف، ستشمل أي مرحلة انتقالية ديمقراطية حتماً ضمان مصالح laquo;الإخوانraquo; وغيرهم من المسلمين باعتبارهم أحد الكيانات السياسية المهمة والعديدة في البلاد. سيساهم ذلك في تهيئة الساحة المصرية لحصول تفاعل طويل الأمد بين المصالح الاجتماعية المختلفة المتعددة في ظل نظام سياسي مستقر ومنفتح نسبياً.

لقد كانت الولايات المتحدة حذرة جداً حتى الآن في طريقة دعمها للمحتجين وضغطها على النظام لإحداث التغيير المنشود. إنها لحظة خاصة بالمصريين، وستؤدي أي خطوات أو كلمات أميركية غير مناسبة إلى تهديد شرعية وفاعلية المصريين الذين يريدون التغيير الديمقراطي. لقد ترك الرئيس أوباما، عن وجه حق، القرار للشعب المصري، وحثّ في الوقت عينه على حصول مرحلة انتقالية سلمية في نظام الحكم. يجب أن تتابع الولايات المتحدة الضغط لنشوء حكومة انتقالية شاملة تمهيداً لإجراء انتخابات ديمقراطية، حرة ومنفتحة ومتعددة الأحزاب، تحت إشراف مراقبين دوليين، مع التشديد على أن خطوة مماثلة ستمكن المصريين من التحكم بمستقبلهم الديمقراطي.

يؤدي الجيش المصري دوراً محورياً في هذا المجال، وقد تصرف حتى الآن بطريقة متزنة بعد أن أبدى القادة العسكريون دعمهم للاحتجاجات السلمية، وحتى الآن، يبدو أنهم مهتمون في المقام الأول بالحفاظ على جو سلمي لحصول المرحلة الانتقالية الديمقراطية بهدوء أكثر مما يهتمون بالحفاظ على النظام، وسيؤدي أي تهديد بقطع المساعدات الأميركية الهائلة إلى نتائج عكسية لأن خطوة مماثلة ستزيد من توتر الجيش وستمنعه من المضي قدماً في مساعي الإصلاح.

صحيح أن بعض السياسيين الأميركيين اليمينيين قارنوا الحركة الاحتجاجية في مصر بالحركة الخضراء في إيران، لكن لا يوجد فعلياً أي وجه شبه قوي بين مصر اليوم وإيران في عام 2009، ولا مع أحداث الإطاحة بالشاه في عام 1979.

هذا الأسبوع، أعلن آية الله خامنئي، القائد الأعلى الإيراني، أن الوضع في مصر مشابه لأحداث الإطاحة بالشاه في عام 1979. حصلت تنحية الشاه على يد خصوم دينيين له، بينما تتخذ الحركة في مصر طابعاً علمانياً. في حال أدت التظاهرات في مصر إلى تغيير ديمقراطي سلمي كما حصل في تونس، فستشعر الحكومة الراهنة في إيران بتوتر شديد لأن الأمر سيعزز التوقعات الإيرانية باحتمال أن تحقق أي حركة شعبية حاشدة في إيران النتائج المرجوّة أيضاً.

معظم المسلمين في مصر هم من السنّة، وقد اعتادوا تقليدياً على عدم المشاركة في الانتفاضات السياسية، إذ لا وجود لأمثال آية الله الخميني في مصر. في المقابل، يتبع شيعة إيران مؤسسة دينية ناشطة.

من المنطقي أكثر إقامة مقارنة بين مصر وتركيا، إذ يرتفع عدد السكان في البلدين، وتطغى عليهما نزعة علمانية، وهما يضمان فئات متنوعة، ولهما جذور قديمة. كذلك، يضم البلدان أقليات مسيحية محدودة لكن ناشطة اجتماعياً، فضلاً عن طبقة وسطى واسعة ومثقفة. وقد اعتاد البلدان أيضاً على الفصل بين المؤسسات الدينية وسلطات الدولة. تشكل تركيا راهناً نموذجاً مهماً عن كيفية تلاقي الإسلام والديمقراطية في البلد نفسه.

حين ألقى أوباما خطابه منذ سنتين في مصر، دعا إلى التغيير فصفق له الشباب في الجامعة، كما أنه تلا مقاطع من القرآن الكريم عن التسامح الإسلامي تجاه الاختلافات الاجتماعية. بما أن حركة التحرير المصرية هي بمعظمها علمانية وسلمية، ونظراً إلى الموقف الراهن من الجيش، فلا سبب يدفعنا إلى توقع حصول تغيير جذري في السياسة المصرية تجاه معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر. من غير المرجح أن تصبح الحركة الديمقراطية معادية للولايات المتحدة أو إسرائيل، فقد تبين أن السلام والاستقرار يخدمان مصالح مصر.

لا شك أن مصر تُعتبر بلداً محورياً لضمان استقرار الشرق الأوسط، فطوال 30 سنة، منذ اتفاقات laquo;كامب ديفيدraquo;، ساد الأمن على الحدود الجنوبية الغربية لإسرائيل، ما سمح لها بالتركيز على الضفة الغربية والحدود السورية واللبنانية.

أمام مصر اليوم فرصة أداء دور الريادة لحصول تطورات مماثلة بمساعدة الجيش من أجل ضمان انتقال سلمي للسلطة والمساعدة على تهيئة بيئة مناسبة لإجراء العمليات الديمقراطية. ستستفيد الحكومة المصرية الجديدة من الحفاظ على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، ما يسمح لها بمتابعة دورها كقوة معتدلة تعزز الاستقرار في المنطقة.

في المقابل، يمكن أن تقوم الولايات المتحدة، انطلاقاً من خشيتها من التدهور المحتمل في المنطقة، بتعزيز نفوذها عبر دعم التغيير الديمقراطي السلمي، كما فعلت عند انهيار الاتحاد السوفياتي. لن تكون الأنظمة الناشئة مثالية، ولن تكون بالضرورة laquo;حليفةraquo; للولايات المتحدة، لكن احتمال أن يعكس عدد كبير منها إرادة الشعب يرتفع، وهو ما يعبر عنه، صراحةً وديمقراطياً، أي نظام سياسي حر ومنفتح نسبياً من شأنه تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

سيقدم وجود نظامين ديمقراطيين وعلمانيين كبيرين بأغلبية مسلمة، أي تركيا ومصر، نموذجاً مختلفاً تماماً عن النظام الدكتاتوري الاستبدادي في إيران، وسيكون هذا الأمر حتماً خطوة نحو الأمام.

* ثيودور كولومبيس، نائب رئيس المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية وأستاذ فخري في جامعة أثينا، اليونان؛ وبيل أهلستروم، مدير تنفيذي في شركة متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة؛ وغاري ويفر، أستاذ في كلية الخدمات الدولية في الجامعة الأميركية. تعبّر الآراء الواردة في هذه المقالة عن وجهات نظرهم الخاصة.