واشنطن -جيمس زغبي


حين يضطر السياسيون الأميركيون لمناقشة القضايا الشرق أوسطية الحاسمة، كثيرا ما يُظهرون جهلا بالحقائق أو تسييساً للأمور أو تناولا مغلوطا للاحداث، وتعتبر التغطيات الاعلامية والتحليلات الصحفية للثورة المتفجرة في مصر هذه الايام، نموذجا صارخا على ذلك.
وما من شك في أن الأحداث في القاهرة تأخذ زخما جديدا مع مرور كل ساعة. لذلك، فإنها تتطلب ردا من الولايات المتحدة، لكن معظم السياسيين الأميركيين كانت مواقفهم مبنية على أساس حزبي أو وفقا لما تراه إسرائيل، فكانت النتيجة أن كانت معظم التعليقات على ما يحدث في مصر غريبة، بل وكانت أحيانا خطرة.
فالرئيسة الجديدة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ايليانا روس ليتينين، على سبيل المثال، اتخذت مواقف متناقضة حين قالت ان laquo;على الرئيس مبارك أن ينظم انتخابات شرعية وديموقراطية ومقبولة دوليا فوراraquo;، مضيفة إن laquo;الولايات المتحدة يجب أن تتعلم من أخطاء الماضي وأن تدعم عملية تشمل مرشحين يلبّون المعايير الأساسية لقادة الدول المسؤولة، مرشحين ينبذون الارهاب ويقيمون حكم القانون ويعترفون بمعاهدة السلام مع إسرائيلraquo;.

فهم ضحل


بكلمات أخرى، تدعم ليتينين الديموقراطية فقط، إذا كانت تلبي معاييرنا نحن وليس معاييرهم هم. أما نيوت غينغريتش فأظهر فهما ضحلا ونقصا كبيرا في المعلومات حول الشرق الأوسط، حين قال ان laquo;ثمة احتمالا بأن تنضم مصر إلى إيران ولبنان وغزة وكل الأشياء الخطرة التي تحدثraquo;. ولم يكتف غينغريتش بذلك، بل سخر من laquo;سذاجةraquo; الرئيس أوباما، الذي ذهب الى القاهرة والقى خطابه الشهير الذي قال فيه laquo;اننا يجب ان نكون اصدقاء لأننا جميعا سواء ولا فرق بيننا. انني اعتقد ان هناك الكثير من الفوارق بين الاخوان المسلمين ونحن جميعاraquo;.
وقد انطلق غينغريتش في انتقاده لاوباما من اجندة حزبية، حيث نصحه بأن يفعل ما فعله ريغن ويتفادى ما فعله كارتر، ولكن الاهم من اتخاذ مواقف على اساس حزبي هو التسابق من اجل التماهي مع المواقف الاسرائيلية، فمثلا، مايك هاكابي، الطامح للترشح لمنصب الرئيس عام 2012 انتهز الفرصة للقيام بزيارته الخامسة عشرة الى اسرائيل ليصرح ان laquo;الاسرائيليين يشعرون انهم وحدهم ولا يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة، لانهم لا يثقون انها ستقف الى جانبهمraquo;.

فشل ذريع


وعبر عضوا مجلس النواب شيلي بيركلي وانطوني ويتر عن قلقهما من laquo;قيام ديموقراطيات عربيةraquo;. أما جيسي جاكسون فحاول التذاكي حين عبّر عن قلقه من ان laquo;تقع التكنولوجيا العسكرية التي تزودها واشنطن لمصر، في يد الاخوان المسلمين او حلفاء ايران في مصرraquo;، وركز عدد اخر من اعضاء الكونغرس على الخطر الذي يعتقدون ان الانتفاضة المصرية تمثله على قناة السويس، وبالتالي، على اسعار النفط، وهكذا، فهم يضغطون على البيت الابيض لاستغلال هذه الازمة من اجل التركيز على تجديد الجهود لتمرير قانون الطاقة في الكونغرس.
والامر المثير للقلق في كل ذلك هو وجود الكثير من الحالات خلال العقود الماضية التي اتيحت للقادة السياسيين الاميركيين لتعلم الكثير عن العالم العربي، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا، ونتيجة لذلك، يتعاطون مع قضايا مصيرية باعتبارها مجرد مسائل سياسية، فهم ينظرون الى انتفاضتي التغيير في تونس ومصر بعيون اسرائيلية.


سذاجة


والحقيقة، ان الانتفاضة في مصر داخلية محضة ولا علاقة لها بالخارج، ولا احد في ميدان التحرير ينتظر مباركة غينغريتش ولا حتى أوباما. وكم كان ذلك المقدم التلفزيوني ساذجاً حين سأل الناطق باسم الإخوان المسلمين إن كانوا يعترفون بإسرائيل كدولة يهودية.


ولم يكن اليوت إبرامز (أحد أبرز رموز المحافظين الجدد) أقل سذاجة كتب مقالة حاول أن يسدي فيها الفضل لجورج بوش (الابن) لحدوث انتفاضة مصر!
وربما يكون السياسيون الأميركيون بحاجة ليسمعوا تصريحاتهم، ولكنهم بحاجة أيضاً لإدراك انهم ما لم يفهموا العالم العربي وما لم يغيروا سياستهم في المنطقة، فلن يتسنى لهم أن يلعبوا أي دور إيجابي فيه، فهم يستطيعون التلويح بقطع المساعدات وتقديم المزيد من المطالب، ولكن النهج الأكثر حكمة يتمثل في التأكيد على مبادئنا والامتناع عن التدخل في شؤون الآخرين، فالمحتشدون في ميدان التحرير يهتفون للإعلان عن مطالبهم وليس مطالبنا. وحين ينفض الغبار عما يجري، ستظل سياستنا في المنطقة هي هي وسيبقى الاستياء العربي منا ومن سياستنا في المنطقة.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن