سمير الحجاوي


أخطر ما صدر من تصريحات حول ليبيا بعد بدء الضربات الغربية لمواقع القذافي ومعسكراته وآلياته ما أدلى به الأميرال مايك مولن رئيس الأركان الأمريكي ومفاده quot;أن النتيجة النهائية للتحرك العسكري في ليبيا غير مؤكدة إلى حد بعيد ويمكن أن ينتهي الوضع إلى حالة جمود مع العقيد معمر القذافيquot;، إضافة إلى إعلان الأميرال بيل جورتني مدير هيئة الأركان الأمريكية quot;إن القذافي ليس على قائمة أهدافناquot;.
هذه التصريحات تزرع بذور الشك في ماهية الأهداف الأمريكية من التدخل في ليبيا، على الرغم من الإعلان أنها تستند إلى قرار مجلس الأمن القاضي بحماية المدنيين وفرض حظر جوي على ليبيا للحد من القدرات العسكرية للقذافي وكتائبه الأمنية.
في ظل غياب أي قدرة عسكرية عربية على وقف ميليشيا القذافي الدموية التي توغل في دماء الليبيين فإن تدخل المجتمع الدولي لوقف المجازر اليومية للقذافي وجنوده يعد مطلبا حتميا وضروريا ولازما، بل وواجبا أخلاقيا وإنسانيا، ولأن الغرب quot;الولايات المتحدة وكندا وأوروباquot; هي الجزء الأهم والفاعل من المجتمع الدولي، كان من الطبيعي إن تبادر إلى التحرك على الأرض للجم القذافي وأولاده وكتائبهم ومرتزقتهم، وهو تحرك نقف معه وندعمه تماما، خلافا للغزو الغربي للعراق وأفغانستان والصومال، الذي وقفنا وما زلنا نقف ضده بكل قوة وثبات.
وإذا كان من الممكن إدماج الشخصي بالشأن العام، اعترف أنني وللمرة الأولى في حياتي، أجد نفسي في خندق واحد مع ما يقوم به الغرب في ليبيا، رغم عدم ثقتي بأهدافه وتحركاته، وغالبا ما quot;يلعب الفار في عبيquot; ،كما يقول المثل الشعبي، من مخططاتهم التي تعلن أهدافا وتخفي أهدافا سرية تحت الطاولة، ولكن ومع ذلك لابد من تأييد الضربات الجوية الأمريكية الأوروبية لقواعد القذافي ودباباته.
المفكرون والمسؤولون الغربيون يسالون دائماquot; لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟quot;.. والجواب هو إننا نكرهكم من أفعالكم واستعماركم ودعمكم اللا محدود لجرائم إسرائيل والتها العسكرية واحتلالها فلسطين وتشريد أهلها، وهو دعم لا يزال مستمرا حتى هذه الساعة، ولكن على الأقل فإن الغرب على موعد مع فرصة تاريخية لا تعوض بثمن لتحسين علاقاته مع الشعوب العربية والمسلمة في العالم، عبر تحقيق إنجاز عظيم في ليبيا، من خلال تمكين الثوار الليبيين من الإطاحة بنظام القذافي الدموي والظالم، بدعمهم و دفع الأنظمة العربية لمدهم بالسلاح.
الليبيون لا يريدون جنودا غربيين على أرضهم، فهم قادرون على حسم المعركة مع القذافي وكتائبه الأمنية، ولا يريدون quot;ألاعيب غربيةquot; وصفقات وسمسرات مع هذا الطرف أو ذاك على حساب ليبيا وشعبها، وعدم الوقوف في المنطقة الرمادية عبر الإعلان عن أن المعركة لن تحسم في ليبيا وان الوضع الحالي سيستمر إلى ما لا نهاية، الأمر الذي يعني تحول ليبيا إلى quot;صومال كبيرquot; كما بشرت ذات يوم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، أو تقسيم ليبيا بين الشرق والغرب أو إشعال حرب بين القبائل.
على أمريكا ومعها الغرب أن يعلنوا بصراحة وبدون مواربة بدعم خيار الليبيين في الحرية والاستقلال وحكم بلدهم بدون أي تدخل غربي، وإذا ما حصل ذلك فإن الولايات المتحدة ستغرس أول بذرة ثقة بين العرب و الغرب، وستعمل على تفكيك حالة العداء المستفحل بين الطرفين، وهي فرصة تاريخية لا تتكرر فلأول مرة يتدخل الغرب ويضرب في بلد عربي دون أن تخرج المظاهرات في الشوارع العربية ضده، ودون أن يوصم هذا التدخل بأنه quot;احتلال صليبيquot;، لأنه يحظى بدعم الشارع العربي، وإذا ما أكمل الغرب وعلى رأسه أمريكا هذا التدخل بدون أهداف سرية فإن ذلك سيدشن مرحلة تحول في العلاقات العربية الغربية ..إنها فرصة ثمينة على الغرب أن لا يضيعها.