محمد عيادي

يبدو أن مسلسل التغيير في ليبيا ستطول حلقاته في ظل حالة من ضبابية الأفق وغياب معارضة واضحة المعالم لها مشروع بديل لنظام القذافي.
وينبني هذا التوقع على ثلاثة معطيات أساسية:
الأول، أن اللجوء للاستعانة بتحالف من باب القبول بالمفسدة الصغرى لدرء المفسدة الكبرى وفرض حظر جوي لأجل شل قدرة قوات القذافي على استعمال الجو في هجومه على شعبه وإيقاف جرائمه، لكن عدم امتلاك المعارضة والثوار -كما يقال- الخبرة والعتاد لمواجهة قوات ومرتزقة القذافي على الأرض، يطرح حسب المراقبين سؤالاً عما إذا كانت المعارضة ستطلب من التحالف أن يسلحهم ويدعمهم بخبرائه؟ وهذا الاحتمال ربما يُخرج القصة عن الضبط ويتحول المسار من مسار ثورة ورغبة في القطع مع عهد القذافي إلى مسار آخر يشبّهه البعض بالعراق وأفغانستان والبعض الآخر يكتفي بالقول بأنه لن يخدم باختصار أهداف التغيير ويُدخل البلاد في متاهة المجهول، ويمس أمن المنطقة بأكملها.
الثاني، أن الغرب وتحديدا فرنسا وبريطانيا لن يحصروا مساعدتهم في الحظر الجوي بل بدؤوا يتحدثون عن العملية السياسية، والتحضير لمرحلة ما بعد القذافي وبالتالي الرغبة في أن يكون لهم دور في رسم النظام السياسي الجديد في ليبيا، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة من رفض تدخل التحالف ويبرر شكوكه -رغم أن المشككين لم يقدموا شيئا للشعب الليبي وهو يتعرض للقتل على المكشوف ولم يطرحوا بديلا آخر- بأن الغرب لم يتحرك بدوافع إنسانية بل سعيا وراء مصالحه، خاصة في حالة التردد العربي والإسلامي في أخذ المبادرة للوقوف مع الشعب الليبي وعدم ترك الأمر بيد التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ويظهر أن لدى فرنسا وبريطانيا تقديراتٍ بأن المعركة مع القذافي لن تُحسَم عسكريا بسرعة كما توقعت قيادات من المجلس الانتقالي الليبي، الأمر الذي جعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعلن أمس الجمعة أن باريس ولندن تعدان مبادرة من أجل حل سياسي ودبلوماسي في ليبيا، حيث قال للصحافيين قبل اجتماع الثلاثاء المقبل بلندن لمجموعة القيادة السياسية للتدخل العسكري في ليبيا: laquo;ستكون هناك بالتأكيد مبادرة فرنسية-بريطانية للتأكيد على أن الحل ليس عسكريا فقط بل سياسي ودبلوماسي أيضاraquo;.
الثالث، التصريحات التي أطلقها بفرنسا كل من علي زيدان عضو الرابطة الليبية لحقوق الإنسان والمتحدث في أوروبا باسم المجلس الوطني الانتقالي ومنصور سيف النصر المعارض المقيم في المنفى بالولايات المتحدة، وملخصها أن المعارضة ستقيم دولة مستقبلية laquo;علمانية وديمقراطيةraquo;.
وهذا يطرح سؤالا عن مدى امتلاك المجلس الشرعية للتصريح والحديث عن المستقبل قبل حسم المعركة مع القذافي، وهل يجسد فعلا إرادة الليبيين بكل فئاتهم ومشاربهم؟ أم أنه يريد أن يجامل فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي لاعترافها بالمجلس الانتقالي (31 عضوا) محاورا سياسيا، ويبدد تخوفها من النزعة الإسلامية الواضحة في المجتمع الليبي.
قد يكون المجلس الانتقالي يمثل كل مناطق وقبائل ليبيا، لكن هل يمثل كل مشاربها السياسية والفكرية والثقافية الدينية؟ هذا أمر غير واضح بعد وما يزال غامضا.
وربما يكون التصريح المذكور أعلاه مطمئنا للغرب والخارج لكنه قد يعقد الوضع داخليا ويربك صف المعارضة الليبية في الداخل، ذلك أنه من المؤكد أن الشعب الليبي وبعد 42 عاما من حكم فردي مطلق وغياب الانتخابات ومؤسسات الوساطة (أحزاب سياسية، وجمعيات مجتمع مدني مستقلة ونقابات و...) يريد ديمقراطية ودولة مدنية وسيعض عليها بالنواجذ، أو يفترض به ذلك، لكن هل سيقبل المنطق العلماني الذي تكلم به ممثلا المجلس الانتقالي المحيل على المرجعية الغربية (الفصل بين الدين والدولة) والذي لا يبدو أنه يحيل على علمانية ناعمة أو laquo;دايتraquo; تقبل بدور للدين في الحياة العامة وتراعي البيئة الليبية وتاريخ البلد وحضارته.
ويبقى الأمل في أن تكون المعارضة الليبية في المستوى وقادرة على استيعاب كل أبناء ليبيا ومشاربها الفكرية والسياسية والقبلية بروح ديمقراطية سلمية ومعتدلة، في صياغة ليبيا المستقبل، وأن يعي الغرب الدرس الأفغاني والعراقي فلا يتجاوز مهمة الحظر الجوي والحيلولة دون تقتيل قوات القذافي لشعبه، إلى مهمة سياسية ويترك الليبيين يقررون مصيرهم ويرسمون مستقبلهم بأنفسهم.