عصام نعمان

الفلسطينيون حائرون . كذلك الأمريكيون وrdquo;الإسرائيليونrdquo; . سبب الحيرة صعوبة الإجابة عن سؤال مفتاح: هل الاعتراف، أو عدم الاعتراف، بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤدي، أو لا يؤدي، إلى إنهاء اتفاقات أوسلو، وحل السلطة الفلسطينية، وتغييب منظمة التحرير؟

صعوبة الإجابة عن السؤال ازدادت بعد كشف النقاب عن الرأي القانوني الذي قدمه الخبير البريطاني المعروف البروفسور غاي غودوين - جيل، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، بناء على طلب جهات فلسطينية . غودوين - جيل شكّك في جدوى اللجوء إلى الأمم المتحدة للاستحصال على اعتراف بدولة فلسطينية على ldquo;حدودrdquo; 1967 . قال إن المبادرة ستؤدي إلى نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة من منظمة التحرير إلى دولة فلسطين المرتقبة، ما يقود بدوره إلى إلغاء الوضعية القانونية الراهنة التي تتمتع بها المنظمة في الأمم المتحدة منذ عام 1975 . يضيف غودوين - جيل إن هذه النتيجة المحتملة ستؤدي إلى نشوء وضع لن يكون للشعب الفلسطيني فيه تمثيل في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المتصلة بها . ولا يقف الضرر، في رأي البروفسور البريطاني، عند هذا الحد بل يتعداه بالتأثير سلباً على حق تقرير المصير، كما يهدد حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم . رأي غودوين- جيل حظي بأصداء وردود فعل لافتة لدى القياديين وأهل الرأي الفلسطينيين لكونه عضواً في الفريق القانوني الذي راجع محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004 وفاز منها باجتهاد لافت بلاقانونية جدار الفصل ldquo;الإسرائيليrdquo; الجاري بناؤه في الأراضي الفلسطينية المحتلة .

يبدو أن عدداً من الخبراء الفلسطينيين يشاطرون غودوين - جيل رأيه . من هؤلاء مدير مركز ldquo;عدالةrdquo; الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جبارين الذي يرى أن قرار الاعتراف ينطوي على محاذير جمة ليس أقلها أن حصول الفلسطينيين على اعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة مستقلة على ldquo;حدودrdquo; 1967 ستكون له مفاعيل سلبية على الحقوق الفلسطينية الأخرى التي حفظتها قرارات متعددة سابقة للمنظمة الدولية كعودة اللاجئين والقدس والأراضي الواقعة بين خط التقسيم والخط الأخضر . ويعتقد الدكتور جبارين أن ldquo;القرار 181 يعطينا أكثر بكثير من دولة مستقلة على حدود عام 1967 . يعطينا خط التقسيم . كما أن القدس الغربية (ذات الأكثرية اليهودية) ستذهب بموجب القرار الجديد إلى ldquo;إسرائيلrdquo;، علماً أن القرار 181 يجعلها دوليةrdquo; . ويرى جبارين ldquo;أنه طالما لدى الفلسطينيين قرار التقسيم الذي ينصّ على إقامة دولتين ويعطي الفلسطينيين مساحة أكبر من حدود ،1967 فإن الذهاب الى قرار جديد يعطينا أقل من ذلك، وسيكون تراجعاً وليس تقدماً، خصوصاً أن كلا القرارين لن يطبقrdquo; .

خبيرة فلسطينية وأستاذة في جامعة أكسفورد الدكتورة كرمة النابلسي اعتبرت قرار الاعتراف المرتقب بدولة فلسطينية يؤدي إلى خسارة حقيقية، ldquo;خصوصاً أننا لن نحصل على دولة على الأرضrdquo; . لماذا ؟ ldquo;لأنه لا توجد لدينا أرض محررة بإمكاننا تأسيس دولة عليها . لكن بخسارة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لنا في الأمم المتحدة، يخسر أبناء شعبنا فوراً تمثيل قضايانا كلاجئين وكجزء لا يتجزأ من تمثيلنا الرسمي المعترف به عالمياًrdquo; .

إلى ذلك، تطالب الدكتورة النابلسي منظمة التحرير بموقف واضح من هذه المسألة البالغة الأهمية، إذ ldquo;من الضروري أن تعطي الجماهير الفلسطينية في كل مكان، خصوصاً اللاجئين في الشتات، ضمانات بأنه لن يتمّ في سبتمبر/أيلول المسّ بتمثيل الحقوق الفلسطينية الأساسية وحق العودة خصوصاًrdquo; .

لم تثر آراء ومخاوف غودوين - جيل وجبارين والنابلسي قلق القيادة الفلسطينية . بالعكس، اعتبرتها عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتورة حنان عشراوي مخاوف مبالغاً فيها وغير مبررة . ففي تصريح إلى صحيفة لبنانية قالت عشراوي إن القيادة الفلسطينية عرضت الآراء والمخاوف المشار إليها على فريقها القانوني ldquo;فلم يجدها حقيقيةrdquo; . أضافت: ldquo;إن حصولنا على عضوية المنظمة الدولية لن يسقط حقوق اللاجئين بل على العكس سيؤكدها . وحصولنا على قرار جديد لن يسقط القرارات الأخرى التي تحفظ حقوقنا، خصوصاً حقوق اللاجئينrdquo; .

من الواضح أن عشراوي تحدثت عن عدم مساس قرار الاعتراف المرتقب بحقوق الفلسطينيين، لكنها لم تشر إلى مستقبل المؤسسات الفلسطينية كالسلطة ومنظمة التحرير بعد الحصول على القرار المذكور . ربما تقصّدت أن تترك الأمر لكبير المفاوضين باسم المنظمة (والسلطة) صائب عريقات الذي لمحّ في مقابلة مع صحيفة ldquo;معاريفrdquo; إلى احتمال حل السلطة الفلسطينية إذا استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد المسعى الفلسطيني لنيل اعترافٍ بدولة مستقلة، وفرضت عقوبات اقتصادية على السلطة، وأوقفت المساعدات المالية .

ربما لا يغيب عن ذهن عريقات أن حل السلطة يعني، عملياً، إنهاء اتفاقات أوسلو، كما يؤدي إلى عزوف الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على السلطة ووقف المساعدات المالية لها إذ لا فائدة متوخاة من هذه العقوبات بعدما يكون قادة السلطة قد قاموا بحلّها .

إن أحداً لن يذرف دمعة أسى على اتفاقات أوسلو . فهي ولدت ميتة، كما أن ldquo;اسرائيلrdquo; لم تحفل بها يوماً بل حرصت على تجاهلها وتدويم احتلالها للضفة الغربية . لكن السؤال المفتاح يبقى بلا جواب: هل الاعتراف، أو عدم الاعتراف، بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة يؤدي، أو لا يؤدي، إلى إنهاء اتفاقات أوسلو، وحل السلطة، وتغييب منظمة التحرير؟

مطلوب جواب عن هذا السؤال من أجل معرفة مستقبل تمثيل الشعب الفلسطيني وشرعيته من جهة، ومن جهة أخرى معرفة ما يترتب على القيادات والفصائل والقوى الفلسطينية الحية قوله وفعله إذا ما أدى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة إلى إنهاء أوسلو والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير .

القيادات الفلسطينية تبدو حائرة، أو أنها لا ترغب في الإفصاح عن الجواب في الوقت الحاضر . كذلك حال أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; . لكن القوى الفلسطينية الحيّة في الوطن والشتات تعرف الجواب الصحيح القاطع: وجوب تحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة تنظيم منظمة التحرير وتثويرها، واعتماد نهج المقاومة المدنية والميدانية في إطار استراتيجية متكاملة لتحرير الأرض والإنسان، من النهر إلى البحر .