خليل حسين

ثمة من يقول عندما ترتفع الأصوات المهددة بالحروب، وعندما ترتفع رائحة البارود، يعني ذلك، أن ثمة فسحة كبيرة للتفاوض قبل التفكير بالضغط على الزناد . هذه الرؤية تنطبق غالباً على الدول الطامحة فعلياً إلى لعب أدوار إقليمية أو دولية فاعلة، باعتبار أن الطموحات تتطلب التروي واستعمال العقل، بأكثر من استعمال العضلات، وهذا ما ينطبق أيضاً على فاعلينَ إقليميينَ في الشرق الأوسط ومنهم إيران .

أطلقت إيران ومنذ فترة، العنان لسلسلة من المناورات العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي في الخليج العربي، آخرها كانت ذات أوزان ثقيلة لجهة الإحاطات السياسية المرافقة لها، عدا نوعية الأسلحة المستخدمة فيها، إن كانت موجود قبلاً أو تستعمل لأول مرة . ومن أهم ما رافقها، التهديد بإغلاق مضيق هرمز، لكن بضوابط وإشارات دبلوماسية لا تخلو من حنكة تفاوضية قادمة تحاول طهران الوصول إليها .

صحيح أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز كان بنبرة عالية، لكن العبارات المستعملة على لسان القادة العسكريين والسياسيين كذلك، كانت واضحة المعالم، فطهران أوصلت رسالتها ومفادها، أن إغلاق المضيق سيضر بأعدائنا كما يضر بنا، ما يعني أنها لن تقدم على إغلاق المضيق طالما أنه سوف يضر بها، إلا في حال كان الطرف الآخر هو من سيقدم على ذلك .

كيف يُصرف هذا التهديد بالسياسة؟ من الطبيعي أنه يُفسر في إطار رفع السقوف السياسية للحصول على مكاسب تضاهي وزن المصالح المتأتية من مضيق هرمز، وهو بطبيعة الأمر كبير بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية . ومن ثم تهدف طهران إلى الحصول على أوزان مماثلة في إطار تبادل المكاسب في منطقة قابلة لذلك .

قبل فترة وجيزة تعرّضت طهران لضغوط كبيرة عبر تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن برنامجها النووي، في وقت توقفت المفاوضات التي كان آخرها في اسطنبول العام الماضي . المخرج القابل للولوج إيرانياً، هو العودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً، لكن من موقع لا تبدو فيه ضعيفة أو مستجيبةلضغوط التقارير أو عقوبات القرارات الدولية .

للمضي في هذا الخيار استقبلت وزير الخارجية التركي، داوود أوغلو، وسلمته سلفة سياسية مسبقة الدفع قوامها العودة إلى طاولة المفاوضات الرباعية برعاية تركية، بصرف النظر عن شكلها وبرنامجها ومضمونها، باعتبار أن المفاوضات باتت طريقاً آمناً للسياسة الإيرانية في ما يخص الملف النووي، فهي تمكنت لما يربو على العقد من الزمن من تقطيع وقت المفاوضات، وكسب المزيد من الخبرات التكنولوجية ومراكمتها، بصرف النظر عن الوصول إلى النقطة الحاسمة التي تريدها في البرنامج أم لا، فبنظر طهران هي ستتمكن في وقت من الأوقات من الوصول إلى ما تريده بالضبط، إذا استمر الوضع الإقليمي الشرق أوسطي على ما هو عليه من تشرذم وانقسام وفقدان الوزن السياسي الفاعل في ظل متغيرات تبدو هائلة جداً .

ما ساعد وعزَّز خريطة الطريق الإيرانية حالياً، جملة اعتبارات من بينها، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، الأمر الذي عزز نفوذها بشكل واضح في الساحة العراقية والإقليمية، علاوة على عدم قدرة الأوروبيين حالياً على ترجمة فرض العقوبات النفطية عليها في ظل شتاء أوروبي قارس، معطوفة على حسن اختيارها للظرف الجيوسياسي المناسب لإطلاق ضربتها .

إن حسابات الحروب وإشعالها مكلفة جداً، وبالعادة تقضي على مصير دول لعقود بأكملها، وطهران ليست ببعيدة عن هذه الحسابات بعد حربها مع العراق 1980 - ،1988 التي تعلمت منها الشيء الكثير، وأبرزها فن الاستفادة من التفاوض للوصول إلى ما تريد بأقل الأثمان الممكنة . هددت بإغلاق المضيق وهي تتحضر للجلوس على طاولة مفاوضات خبرتها طويلاً وتعرف كيف تديرها، في وقت تمتلك أذرعاً سياسية خارجية وحتى عسكرية في غير مكان من النظام الإقليمي العربي الذي بات مفككاً بفعل ضغوط الفواعل الإقليمية ومنها الإيرانية . فأين نحن العرب من خليجنا وقضايانا؟

بالأمس سوداننا قُسم واليمن قاب قوسين أو أدنى، وعراقنا يتحضر لحرب أهلية، وثوراتنا ما زالت في مهدها تكافح، ما زلنا نحن العرب نجهل كيف نتعاطى مع أبسط قضايانا، فيما غيرنا يتفنن في الاستفادة من أبسط الإمكانات . بالأمس أُعِدْنا إلى طاولة المفاوضات بشأن فلسطيننا بعدما كدنا ننساها في زحمة مشكلاتنا، هل نحن قادرون الآن على المفاوضة كغيرنا؟ للوصول إلى طاولة المفاوضات، ثمة أشياء كثيرة ينبغي ترتيبها، من بينها معرفة ماذا نريد؟ وكيف نريد؟ ومتى نريد؟ في الحالات الثلاث نحن العرب غائبون عن هذه الدنيا وما فيها . في السادس والعشرين من الشهر الحالي موعدنا الجديد مع طاولة الرباعية بشأن مرجعية السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;، فيما سيتزامن ذلك مع الحراك التركي لإطلاق مفاوضات البرنامج النووي الإيراني . أين نحن وأين هم؟ فعلاً إن الضرب في الميت حرام!