جميل الذيابي

لم يتبقَّ أحد من العالم أجمع لم يدعُ نظام بشار الأسد إلى وقف القتل، بل إن غالبية الدول الكبرى والمنظمات الدولية أعلنت أن نظامه فقد شرعيته. الغالبية دعت الأسد إلى الإصلاح أو الرحيل. قالت الغالبية إن النظام الحاكم في سورية فقد شرعيته، ويجب أن يتوقف عن القتل حالاً. العالم دان ما يقوم به laquo;شبيحةraquo; النظام ضد الشعب السوري، وتوالت الدعوات للأسد الى لتوقف عن استخدام القوة المفرطة، حتى إن حلفاءه دعوه إلى ذلك، بمن فيهم روسيا والصين وإيران. النظام لا يكترث. laquo;الشبيحةraquo; لا يكترثون. أبواق النظام (شبيحة الإعلام) في سورية ولبنان يطبّلون ويزمرون ويبررون لأعماله الإجرامية وممارساته الفاشية. لم يتبقَّ أحد لم يخاطب هذا النظام القاتل بلغة العقل إلا أنه لا يزال يصر على سفك دماء الأبرياء بما يؤكد أنه فاقد للصواب والإنسانية والشرعية، ولا بد أن يرحل عاجلاً لا آجلاً.

قبل يومين قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في حوار مع laquo;الحياةraquo;، إن لديه laquo;رسالة قويةraquo; يبعث بها إلى بشار الأسد من بيروت، مفادها أنه laquo;فقد شرعيته، ويجب أن يكف عن قتل شعبهraquo;، مؤكداً أن laquo;هناك دائماً مجالاً للاستدراك كي لا تصبح الحرب الأهلية في سورية حتميةraquo;. المدن السورية تذرف الدموع يومياً على الموتى ولا تزال فوهات المقابر مفتوحة، وثأر الدم ربما يجبر بقية الشعب على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وأهاليهم. وعلى رغم الألم والجروح المفتوحة لا يزال بان كي مون يضحكني كما يستفزني نبيل العربي، فكلاهما يتحدث كثيراً ولا يفعل للشعب السوري إلاَّ قليلاً أو لا شيء.

نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية وضع الفريق أول الركن محمد الدابي (سوداني) رئيساً لبعثة المراقبين العرب، وهو الذي وصفته مجلة laquo;فورين بوليسيraquo; بأنه laquo;أمقت زعيم مهمة إنسانية في العالم على الإطلاقraquo; وraquo;أسوأ مراقب لحقوق الإنسان في العالمraquo;، ولم تسمع الشعوب العربية من الدابي حتى اليوم انتقادات واضحة لممارسات النظام على رغم أن حمام الدم لم يتوقف وعدد القتلى يتزايد بشكل يومي، ويبدو أن الدابي متواطئ أو يتعامى عن مشاهد القتل والترويع والتجويع أو أنه يميل إلى مجاملة النظام والتغطية على ممارساته بالتقوقع تحت عباءة نبيل العربي وعلاقاته وصلاته بالنظام.

نظام الأسد لا يزال في غيه يعمَه ويصر على عدم سحب الدبابات والمظاهر العسكرية ومحاصرة السكان والمدن. سورية تعيش قتلاً خارج القانون، واعتقالات عشوائية، وتعذيباً للمتظاهرين، ونسب القتل لا تنخفض بل تزيد، وكل هذا سيضطر الشعب إلى اللجوء لحمل السلاح لحماية نفسه من بطش النظام وقد تتحول سورية إلى عراق آخر. النظام السوري يجر البلاد نحو laquo;العرقنةraquo; مثلما تشد ممارسات نظام علي صالح في اليمن البلاد نحو laquo;الصوملةraquo;! فأخيراً، أعلنت منظمة مجهولة تُطلق على نفسها اسم laquo;حركة مناهضة المد الشيعي في سوريةraquo; تبني خطف خمسة إيرانيين في حمص الشهر الماضي، محذرة إيران وraquo;حزب اللهraquo; من المضي في دعم النظام السوري. كما أن قائد laquo;الجيش السوري الحرraquo; العقيد رياض الأسعد هدد بأن قواته laquo;ستنتظر بضعة أيام على عمل المراقبين، وإذا شعرت بأنهم غير جديين ستتخذ قراراً سيفاجئ النظام والعالم كلهraquo;. إنها دندنة الحرب الأهلية وraquo;عرقنةraquo; سورية كما يريد النظام. النظام البعثي لا يتعلم من سابقيه، ويعتقد بأن المتظاهرين الذين يخرجون في الساحات ويهتفون باسمه مؤيدين، بينما غالبيتهم في حقيقة الأمر خائفة من القمع والسجون والتعذيب، وإلا لكانت تلك الجموع التي هتفت باسم القذافي في باب العزيزية أنقذته من القتل، وجنبت صدام حسين حبل المشنقة.

laquo;أول منشقraquo; سوري يعمل في الجهاز المركزي للرقابة المالية في رئاسة الوزراء قال لقناة laquo;الجزيرةraquo; بعد أن وصل إلى القاهرة سالماً، إن 80 في المئة من المسؤولين وموظفي الدولة مستعدون للانشقاق لولا القمع وخشيتهم على أرواحهم وعائلاتهم.

سورية على مفترق طرق، ولن تنقذها إيران أو غيرها مهما حاولت لفت الأنظار عن ممارسات نظام الأسد بالتهديد لإغلاق مضيق هرمز، ولم يتبقَ أمام النظام إلا الرحيل أو إدخال البلاد في أتون حرب أهلية. لا شك في أن بشار الأسد يدرك جيداً أن كرسي السلطة الذي يجلس عليه لم يعد يتسع له، وهو يترنح مرة فوقه ومرة تحته، وأن مصيره سيكون نفس مصير طغاة الأنظمة العربية الذين تساقطوا قبل laquo;الربيع العربيraquo; وبعده. لكنه لا يزال يناور ويزيف ويضلل الحقائق في وجود من يغطي على ممارساته وجرائمه الفظيعة. الأكيد أننا أمام محاولات من نظام الأسد لـraquo;عرقنةraquo; سورية! فليس هناك مستفيد من زعزعة الوضع أمنياً وسياسياً وطائفياً في الوقت الراهن سوى النظام وأتباعه وأبواقه فهو يريد أن laquo;يخربهاraquo; قبل أن يرحل لِبئس المصير.